فوضي عارمة، منازل تحولت إلى ركام، شوارع امتلأت بالجثث والدماء، قرى أشبه بالمقابر، بشر تحولوا دروعا بشرية، مشاهد صادمة ومفزعة أشبه بفيلم رعب... للوهلة الاولى يمكن أن تتصور أن قنبلة نووية من نوع قنبلة هيروشيما أبادت كل كائن حى فى المكان، والحقيقة انها أهوال حرب القوات العراقية ضد تنظيم »داعش« لتحرير غرب مدينة الموصل التى أصبحت مدينة للأشباح والدمار.. مدينة غطت ملامحها الدماء وتفوح من جنباتها رائحة الموت، مع انهمار آلاف القذائف والصواريخ واشتداد المعارك الشرسة بين الطرفين... والضحايا مئات المدنيين الذين «يتقلبون» فى أتون الحرب وتفصلهم لحظات عن الموت. «عمو.. أمانة برقبتك توصيهم يوقفون القصف، أمى ضلت بالبيت»... قالها طفل هارب من جحيم الموصل والدموع تغرق وجهه لنائب محافظة نينوى «عبد الرحمن اللويزي»، فمنذ بضعة أيام شهدت منطقة الموصل الجديدة مذبحة مروعة راح ضحيتها ما بين 200 إلى 700 مدنى معظمهم أطفال ونساء، فى واحدة من أسوأ المذابح منذ غزو العراق الذى قادته الولاياتالمتحدة عام 2003. الروايات تتضارب حول من الجاني، فهناك من يحمل التحالف الدولى المسئولية عن تلك المذبحة المروعة، فى حين وجهت السلطات العراقية أصابع الاتهام ل»داعش»، لكن هناك أيضا من يتهم القوات العراقية!. فى النهاية النتيجة واحدة، وهى هدم بيوت على رؤوس سكان أبرياء. على سرير فى أحد المستشفيات، قال عم جاسم الذى فقد 10 من أبنائه وأحفاده و30 فردا من أخوته وأقاربه فى المجزرة «ما يحدث لا يعد تحريرا إنما هجوم على منازل المدنيين نحن لا نريد التحرير الذى بسببه تباد عائلاتنا». ووسط دموع تنهمر من عينيه، دفع شهاب عايد عربة تحمل جثتى ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف وزوجته الملفوفتين فى بطانية، عبر خندق، ليدفنهما ويعود لبناته الثلاث الباقيات. وهناك روايات تقشعر لها الأبدان حيث حاول رجل بيده المنهكتين انتشال جثة زوجته، وهو يذرف الدموع وينادى بقية المنقذين لمساعدته، لعله يجد أحدا من بين 27 فردا من عائلته على قيد الحياة، بينما تعالت الصيحات بالتكبير أثناء انتشال طفل من تحت أنقاض منزل آخر. ووفقا لمحللين، فان إعلان الحكومة فتح تحقيق فى المذبحة مجرد محاولة لإظهار جديتها وشفافيتها فى التعامل مع الكارثة والتخلص من الاتهام الموجه إليها. وقال خبراء سياسيين إن هناك صراعات سياسية داخلية تلعب دورا فى التأثير على معركة الموصل، إذ هناك مساع من جهات سياسية داخل الموصل لأن تتحول المدينة إلى مدينة منكوبة وتصبح بالتالى تحت إدارة دولية، ولهذا الغرض هناك دعوات إلى إيقاف المعارك. وأشاروا إلى أن طلب رئيس الحكومة حيدر العبادى من مواطنى الموصل البقاء فى منازلهم ثم قيام قوات التحالف والقوات الحكومية العراقية بقصف وحشى للمدينة يؤكد وجود خطة واضحة وإصرار من قبل الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية على إبادة أبناء الموصل. وبالنسبة للمحاصرين داخل المدينة.. الوضع مرعب، ففى الطوابق السفلى من المنازل انكمشت العائلات وتكوم أفرادها فى الظلام، بينما كان القتال يستعر فى الخارج. ووسط عتمة الطوابق السفلية، قالت شابة تختبئ إن «ما يحدث شئ مرعب ونادرا ما أصعد للطوابق العليا». ووصفت النسوة وهم يبكين خوفا بعد فرارهم كيف أشعل مسلحى «داعش» النار فى الطوابق العليا من منازلهم لإحداث ستارة دخان تربك طائرات التحالف. ومثل كثير من الأشياء التى تغيرت ملامحها فى الموصل فقد تحولت مدرسة من مكان لتلقى التعليم إلى مستشفى ميداني. ووفقا للمفوضية السامية لشئون اللاجئين فى العراق، فإن نحو 600 ألف شخص محاصرون فى مناطق الموصل التى لم تسيطر عليها القوات العراقية، بينهم 400 ألف فى المدينة القديمة. • مروة جابر