منافسة حامية الوطيس تدور رحاها هذه الأيام في أروقة السياسة الألمانية، بعد ظهور المرشح الاشتراكي »مارتن شولتز» الذي نشط الدورة الدموية للاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا وأنعش آمالهم في العودة لتصدر المشهد السياسي بعد سنوات من التراجع، وبدأ الحديث عن وجود منافس قوي يهدد عرش »المرأة الحديدية» المستشارة أنجيلا ميركل. أحدث استطلاع للرأي أظهر احتفاظ المحافظين بزعامة ميركل بتقدمهم علي الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة اليساري شولتز، وذلك قبل ستة أشهر فقط من الانتخابات الاتحادية، لكن رغم ذلك فإن شعبية الاشتراكيين ارتفعت لأعلي مستوياتها في خمسة أشهر حسب الاستطلاع ذاته. ووفقا للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة »فورتشنسجروبا فالن» لصالح تليفزيون »زد.دي.إف» فقد حصل المحافظون علي 34% مقابل 32% للاشتراكيين الديمقراطيين بزيادة نقطتين مئويتين عن الاستطلاع السابق الذي اجري قبل ذلك بأيام، والذي تفوق فيه الحزب الاشتراكي لأول مرة منذ اربع سنوات علي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي برئاسة ميركل. ومنذ عودة »شولتز» إلي الحياة السياسية في ألمانيا واستقالته من رئاسة الاتحاد الأوروبي، وتوليه رئاسة الحزب الاشتراكي بدأت الأنظار تتجه مجددا إلي الاشتراكيين باعتبارهم البديل المقبول من قبل الرافضين لسياسة ميركل التي يعتبرونها فتحت الأبواب أمام المهاجرين وضعفها في مواجهة ضغوط تركيا وروسيا. وأصبح »الرفيق شولتز» كما يطلق عليه، في نظر الكثيرين حلا مقبولا بعيدا عن اليمين الشعبوي المتطرف الذي بدأ ينتشر في أوروبا مدفوعا بخروج بريطانيا من الاتحاد، وتزايد شعبية اليمين في فرنسا وهولندا، في أعقاب فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة في الولاياتالمتحدة. وكشفت الاستطلاعات الأخيرة عن منافسة محتدمة بين ميركل وشولتز علي منصب المستشار حيث بلغت نسبة التأييد الشعبي لكل منهما 44% في المتوسط، لكن في أحد الاستطلاعات التي أجريت الشهر الماضي حصل شولتز علي 49% مقابل 38% لميركل. هذه النتائج أثارت المخاوف لدي تحالف ميركل (الاتحاد الديمقراطي المسيحي- حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي) وبدأت حرب تكسير العظام وتشويه تاريخ شولتز السياسي عبر الحديث من قبل رجال التحالف عن تعليمه ونشأته وأعدوا قوائم بأخطائه خلال رئاسته للاتحاد الأوروبي. فمن هو الرفيق شولتز...؟ بنظرة سريعة علي تاريخ الرجل تدرك أن شعبيته لم تأت من فراغ، فقد ولد مارتن شولتز في إيشفايلر ديسمبر 1955 لعائلة لها خمسة أطفال، في عائلة مختلطة الولاء السياسي، إذ كان والده »ألبرت» ضابطا في الشرطة ومن نشطاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي، في حين كانت أمه »كلارا» ربة منزل ومن نشطاء الحزب الديمقراطي المسيحي، وفي هذه البيئة »التحالفية» شق مارتن طريقه إلي منظمة الشبيبة الاشتراكية، وبني من خلالها تاريخه في الحزب. درس مارتن الصغير في فورزيلين بمدرسة إعدادية كاثوليكية، بيد أن عشقه لكرة القدم كان يعرقل استمراره الدراسي. وبعد فشله سنتين متتاليتين وهو في الصف الحادي عشر، غادر المدرسة كي يحترف كرة القدم، لكن إصابة في الركبة منعته من استكمال المسيرة الكروية. ويعترف شولتز الذي يتحدث 5 لغات غير الالمانية في أكثر من مقابلة بأنه تحّول إلي مدمن كحول بعد »تقاعده» الرياضي وهو شاب في العشرين من عمره، مؤكدا انه لا يستحي من تاريخه، ويقول إنه امتنع عن الشرب تماًما بعد 5 سنوات من الإدمان، وحتي الآن، منذ 1980 لم يرجع إلي ذلك. في تلك الفترة عمل شولتز في مجال الكتب والمكتبات لمدة 5 سنوات، قبل أن يؤسس دارا صغيرة للنشر بالاشتراك مع شقيقته دوريس. انتخب شولتز في السبيعينيات في مجلس مدينة فورزيلين، ثم أصبح عمدة المدينة في 1987 واحتفظ بالمنصب حتي 1998. وهكذا أصبح في عمر 31 سنة أصغر عمدة لمدينة ألمانية منذ الحرب العالمية الثانية. وبعدها انتخب عضًوا في البرلمان الأوروبي عن اللائحة الاشتراكية بين 1994 و2017، وتولّي رئاسة البرلمان الأوروبي بين 2012 و2017. هذا التاريخ السياسي الحافل والشخصية الملهمة هي ما أقلق انصار ميركل التي تحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء، والحاصلة علي لقب أقوي شخص في العالم في تصنيف مجلة فوربس، وأقوي امرأة في العالم لعشر مرات من قبل نفس المجلة في تصنيفها السنوي الشهير، كما وصفت ميركل بالمرأة الحديدية، ومستشارة العالم الحر. ميركل التي تعد شخصية سياسية فوق العادة، تولت المستشارة الالمانية 3 مرات وهي بذلك أطول رئيس حكومة خدمة في الاتحاد الأوروبي، وتسعي للفوز للمرة الرابعة، ظهر من ينافسها ويجعلها تعيد حساباتها السياسية، فهل يفعلها الرفيق شولتز..؟