لم يتأخر الرئيس دونالد ترامب كثيرًا، فبعد أيام من إجبار مايكل فلين، مستشاره السابق للأمن القومي، علي الاستقالة من منصبه، بعدما ثبت عليه تهمة الكذب فيما يخص اتصالات أجراها مع السفير الروسي بواشنطن، أعلن عن اختيار الجنرال هربرت رايمون ماكماستر البالغ من العمر 54 عامًا مستشارا للأمن القومي. وجاء إعلان الرئيس الأمريكي عن اختياره ماكماستر من أشهر كازينو قمار يملكه، ويحمل اسم »مارا لاجو»، ويقع بولاية فلوريدا، ليبلغ عدد الجنرالات الذين يتولون مناصب في إدارة ترامب رقمًا قياسيًا لم يحدث مع أي إدارة من قبل. وكما كان معروفًا عن فلين أنه قائد عسكري ميداني بارع، لا سيما في العراقوأفغانستان، فإن ماكماستر أيضًا اشتهر بأنه قائد ومنظر عسكري من نوع خاص، فقبيل تعيينه في منصبه الجديد بساعات كان رئيسًا لمركز التخطيط الأهم في المؤسسة العسكرية الأمريكية، والمعروف باسم »مركز تكامل قدرات الجيش» المعني بإعداد الجيش لمعارك مستقبلية، ويسعي ماكماستر لتعزيز قدرات الجيش، حيث كانت له مقولة شهيرة في أثناء جلسة استماع بالكونجرس في إبريل من العام الماضي، وكان مفادها »إن قدرات الجيش الأمريكي تتضاءل لدرجة أنه قد لا يستطيع حماية الأمة»، علمًا بأن أحد الوعود الانتخابية لترامب هو إعادة بناء الجيش علي أساس تطوير قدراته. عمل ماكماستر في القيادة المركزية للجيش الأمريكي بالشرق الأوسط وشارك في عملية عاصفة الصحراء عام 1991 لطرد الجيش العراقي من الكويت، ثم في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفي عام 2004 قاد فرقة أمريكية في معركة عنيفة بمدينة تل عفر العراقية بهدف تحريرها من مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة، كما شارك أيضًا في حرب أفغانستان عام 2001. ولم تقتصر خبرات ماكماستر علي شئون القتال فقط، بل كان لقدرته في نسج علاقات متميزة مع شيوخ العشائر العراقية، إبان الولاية الثانية لجورج بوش الابن، تأثير كبير في أن تستعيد القوات الأمريكية زمام الأمور في عدة مناطق فقدت السيطرة عليها لصالح المقاومة العراقية. ويشارك ماكماستر، وزير الدفاع جيمس ماتيس طريقة التفكير الاستراتيجية استنادًا إلي التاريخ، وله كتاب شهير خصصه عن حرب فيتنام، وضعه عام 1997 من وجهة نظر نقدية بعنوان »التقصير في أداء الواجب»، وحقق الكتاب مبيعات هائلة وجعل من صاحبه نجمًا إعلاميًا، وفي هذا الكتاب اتهم ماكماستر القيادة المركزية للجيش بالجبن، حيث وصف المؤلف القادة العسكريين بأنهم »شركاء في سياسة الهروب للأمام التي لازمت الولاياتالمتحدة في تلك الحقبة»، ولم يتوقف ماكماستر عن انتقاد قادته والتعبير عما يؤمن به علنًا وهو ما كلفه علي مدار عامي 2006 و2007 تأخر ترقيته إلي رتبة جنرال، قبل أن يحصل عليها في عام 2008. تعيين الجنرال ماكماستر في منصبه الجديد لقي ترحيبًا حماسيًا من الجنرال الجمهوري جون ماكين، أحد أبرز المعارضين للسياسة الخارجية لترامب، وكذلك السناتور الجمهوري توم كوتون، الذي أُشيع عنه أنه مارس ضغوطًا عنيفة علي سيد البيت الأبيض لكي يستعين بخدمات ماكماستر، بحسب أنباء متداولة في الصحف الأمريكية. وإذا كانت خدمات الجنرال ماكماستر للقوات المسلحة الأمريكية غير قابلة للنقاش أو التقييم، فإن الرجل يعاني نقطة ضعف واضحة، تتمثل في افتقاره للخبرات اللازمة علي صعيد الملفات السياسية.