لايعرف الصحفيون حتي الآن، حقيقة ما دار في لقاء د. يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء، المشرف العام علي المجلس الأعلي للصحافة وبين أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، الذين حضروا إلي مكتبه بمقر رئاسة مجلس الوزراء.. وكأن مادار في الاجتماع من الأسرار العسكرية محظور الاقتراب منها، مع أن الأمر يتعلق بمصير ومستقبل 7 آلاف صحفي وصحفية، ينضوون تحت مظلة نقابة الحريات.. ويزداد العجب أكثر من سعي أعضاء مجلس النقابة للقاء د. يحيي الجمل.. وبطبيعة الحال، لم يحضر الكاتب الكبير، الزميل العزيز الاستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين، الذي اوكل مهامه الي اقدم اعضاء المجلس علي حد علمي حتي لا يدخل في سجال ومهاترات مع بعض الزملاء سواء مجلس النقابة، أو من بعض الصحفيين في المؤسسات الصحفية الذين حاولوا الحجر علي رأيه، وهذا ليس مبررا للتهجم عليه، حتي ولو خالف رأيه رأي البعض، وهذا الهجوم غير المبرر، يتنافي مع أبسط أصول حرية الرأي، وسماع الرأي الآخر، وهو دستور الحياة الديمقراطية الصحيحة.. الذي نحرص علي حمايته وكفالته واحترامه.. وكان يمكن الرد عليه بلاتشنجات، وفي أدب واحترام، خاصة واننا جميعا زملاء مهنة، ومهما كانت بيننا من خلافات فمصيرها إلي زوال.. وتبقي النقابة، بيتنا الكبير، الذي يضمنا جميعا.. ونفخر بالانتماء إليها.. واعتقد ان الصحفيين اولي من غيرهم باحترام الرأي والرأي الآخر وكبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون. ويزداد الأسف، بل الحزن، حين هرول أعضاء المجلس الموقر إلي لقاء د.يحيي الجمل، ويبدو أنهم كانوا في حالة فرح وسرور بلقاء المشرف العام علي المجلس الأعلي للصحافة.. مع احترامي الكامل لشخص د. الجمل، باعتباره أستاذا جامعيا، أعرفه ويعرفني قبل أن يكون وزيرا سابقا، أو نائبا لرئيس مجلس الوزراء حاليا.. فالأستاذية، كالصحفي، أخلد المناصب وابقاها علي الاطلاق، تعلو، ولا يعلي عليها أي منصب مهما علا.. وباعتباري صحفيا نقابيا مشتغلا، ومن المهتمين بالشأن النقابي، والارتقاء بتقاليد المهنة، مهنة الشرف والكرامة، حامية الحريات، والمدافعة عن المعذبين في الوطن.. أتساءل لماذا لم يطلب مجلس النقابة من د. يحيي الجمل الحضور الي مقر النقابة، بيت الصحفيين جميعا، والجميع كانوا سيستقبلون المشرف العام علي المجلس الأعلي للصحافة بكل ترحاب وليس في ذلك انتقاص من قدر وقيمة النائب، بل يشرفه ان يلتقي بالصحفيين الذين دافعوا عن الحق والعدل وكرامة المواطن وحرية الكلمة، وكثير منهم ضحي في سبيل هذه المبادئ بكل مرتخص وغال.. ودفعوا الثمن من صحتهم وحياة واستقرار أسرهم، وكثير منهم ظل رهن الاعتقال لسنوات طوال، في أقبية وسلخانات مباحث أمن الدولة، واعطوا المثل والقدوة للأجيال الجديدة من الصحفيين بصفة خاصة والمواطنين عامة في التضحية دفاعا عن المبدأ، دون انتظار لمغنم، أو مكاسب شخصية.. لو جاء د.يحيي الجمل إلي بيت الصحفيين، لشعر كل صحفي أن مصر تغيرت بعد 52 يناير.. وان الوظيفة العامة مسئولية وتكليف وليس تشريفا.. وأن من واجبه ان يسعي إلي الناس، للتعرف علي مشاكلهم ومتاعبهم، والبحث عن حلول واقعية لهذه القضايا المهنية، وغير المهنية، ولوجد د.الجمل من الصحفيين الدعم والمساندة لبلوغ الأهداف المرجوة، ولوقف علي حقيقة المطالب المشروعة والعادلة، للاسرة الصحفية، وهي حقوق لا يمكن اغفالها تحت أي ظرف، من تعديل جدول المرتبات الذي أصبح في آخر طابور الكوادر الأخري، ولم يعد يتناسب مع العمل المهني الشاق، والمخاطر التي تحيط بالمشتغلين بالصحافة والاعلام من قتل وتعذيب وتشريد.. وحاجة الجميع إلي قانون جديد لمزاولة المهنة يصون حريتها ويحميها من التدخلات من خارجها.. للأسف الشديد رأينا بعض الأبناء والاحفاد والمنتسبين للمهنة المقدسة، أضاعوا تقاليدها الراسخة، جريا وراء مغانم شخصية ضيقة ومناصب زائلة. وهؤلاء الزملاء معذورون، ربما لحداثة سنهم أو عهدهم بالصحافة، وفي ظل عشوائيات العمل الصحفي السائدة والسلوكيات المعيبة التي نراها علي الساحة الصحفية والشارع السياسي، لعدم معرفة الابناء والاحفاد بتاريخ النقابة العريق وبتضحيات الأجداد والآباء، حتي علا شأن الكلمة، وارتفع هذا الصرح النقابي في سماء مصر والعالم العربي. كنت اتوقع من مجلس النقابة، في لقائهم بالمشرف العام علي المجلس الأعلي للصحافة، ان يبلغوه هموم الصحافة والصحفيين، ومطلبهم العاجل، والعادل في قانون جديد للنقابة يصون للمهنة حريتها وكرامتها، ويعلي من قدر الكلمة الحرة والفكر والثقافة. كنت أتوقع ان يعرض الزملاء علي المشرف العام، المأساة التي يعيشها رواد وشيوخ المهنة الذين حولتهم بعض مواد قانون النقابة وجعلتهم أشبه بخيول الحكومة وجب اعدامهم فور حصولهم علي معاش النقابة عند بلوغهم سن الستين، مع أنهم دفعوا مساهماتهم المطلوبة حال ممارستهم للمهنة.. وليس تفضلا من أحد، سواء من النقابة أو الدولة.. لذلك رأينا كبار الصحفيين والكتاب، يرفضون تقاضي هذا المعاش، لانهم في غني عنه بما لديهم من أموال طائلة، حتي يظلوا علي قيد الحياة، ويكون لهم وجود علي الساحة الصحفية والسياسية. لقد نسي الزملاء ان يقولوا للدكتور يحيي الجمل، ان معاش النقابة لا يساوي ثمن خمسة كيلو جرامات لحمة، فالمعاش لا يتعدي 004 جنيه شهريا.. ونسوا ان يقولوا له ايضا ان قانون النقابة الذي صدر في يونيو 0791 به ثلاث مواد مخزية وهي المواد: 23 و79 و99 وفي مجملها تحرم الصحفي من مزاولة المهنة داخل البلاد وخارجها، وليس من حقه ان يكون مؤلفا أو كاتبا أو مراسلا صحفيا.. أو مصورا أو رسام كاريكاتير أو مراجعا صحفيا.. إلخ، عند حصوله علي معاش النقابة وينقل اسم الصحفي اجبارا إلي جدول غير المشتغلين ومن ثم لا يجوز له حضور الجمعية العمومية للنقابة، لمناقشة أمور المهنة، ولا يحق له الترشيح أو الانتخاب أو التصويت لمنصب النقيب أو لعضوية مجلس الادارة.. وكأن هذه المواد قد صيغت عن عمد بهدف الحكم بإعدام كل صحفي يتقاضي هذا المعاش، وهو لم يزل علي قيد الحياة، والاعمار بيد الله سبحانه وتعالي، والمواد الثلاث السابقة ليس لها مثيل في النقابات المهنية الأخري كالمحامين، والاطباء والمهندسين.. فلا يحرم عضو من حقوق المواطنة.. فهو يجمع بين معاش النقابة بالكامل والمعاشات الاخري بل ان نادي القضاة المجاور للنقابة خصص مقعدا في مجلس الادارة لشيوخ القضاة، يجري الانتخاب علي من يمثلهم، في المجلس، يعرض احتياجات شيوخهم الأجلاء ولهم جميع حقوق الرعاية الصحية والاجتماعية، اما نقابة الصحفيين، فتقول للرواد وشيوخ المهنة، إلي الجحيم، فلا رعاية طبية لائقة ولا معاش محترم، بل الهوان في انتظارهم بعد رحلة عطاء شاقة. ان إلغاء هذه المواد، اليوم قبل غد، ضرورة حتي يمارس الصحفي مهنته، مادام قادرا علي العطاء.. والابداع.. ولا يحال إلي التقاعد ألا برغبته فقط.. فالفكر لا يحال الي المعاش إلا في الدول المتخلفة المستبدة وهذا يتطلب الابقاء علي اسمه في جدول المشتغلين، حتي يستفيد الوطن من خبرته وثقافته، خاصة وان المواد الثلاث تتناقض مع الدستور الذي كفل حق العمل وحق الانتخاب وحق الترشيح لكل مواطن، قبل أو بعد الستين، دون التفرقة بين رجل وامرأة، شاب أو شيخ. وتبقي كلمة، ارجو ان يتقبلها اعضاء مجلس النقابة بصدر رحب: ان جميع من حضروا لقاء د.يحيي الجمل لا يمثلون إلا انفسهم فقط لسبب بسيط ان وجودهم غير شرعي بعد ان اصدرت المحكمة الدستورية في 2 يناير الماضي حكما بإلغاء القانون رقم 001 لسنة 3991 وتعديلاته لسنة 5991 الخاص بالنقابات المهنية، وبمجرد صدور هذا الحكم، كان علي مجالس النقابات الدعوة لانتخابات جديدة للنقيب، ومجلس الادارة وفي ظل عدم شرعية هذه المجالس التي تم انتخابها قبل الغاء القانون والقائمة الآن.. يصبح استمرار هذه المجالس وصحة القرارات التي تتخذها المجالس الحالية رهنا بإرادة المجالس الجديدة، التي سيتم انتخابها سواء بإقرارها أو الغائها. وسوف تكون هذه القرارات مهددة بالبطلان بعد حكم الدستورية. وكلما طال بقاء الزملاء اعضاء المجلس في مواقعهم يصبحون مغتصبين لهذه المواقع، لأنها ليست من حقهم، كما ان محاولة إطالة البقاء في هذه المجالس لا معني له.. بل هو تسويف واضاعة الوقت فيما لا طائل منه، كما ان محاولة الالتفاف علي حكم الدستورية بطلب تفسير من قسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة، غير قانوني، لأن أحكام الدستورية لها حجية مطلقة، ولا معقب عليها بما في ذلك السلطة القضائية بجناحيها العادي، والاداري الذي تتبعه هيئة الفتوي والتشريع بمجلس الدولة، وإذا كان الزملاء يريدون تفسيرا للحكم، فأمامهم طريق واحد أن يلجأوا إلي المحكمة الدستورية، فهي صاحبة الاختصاص وصاحبة القول الفصل.. ان واجب الزملاء، ان يتركوا مواقعهم طواعية، وان يدعوا إلي انتخابات جديدة لمركز النقيب واعضاء المجلس، فأنتم ليسوا بأفضل من مجلس سيد قراره الذي رحل غير مأسوف عليه، وأصبح في ذمة التاريخ... وأي تاريخ ! عندما تهتز الأرض طرباً وقع بمصر زلزال أيام السلطان كافور، فدمر البلاد والعباد، فخرج الشاعر المتنبي، يقول: إن هذا ليس زلزالا، بل أن الأرض تهتز طربا من عدل حاكمها. السلطة وعبيدها كثير من عشاق السلطة وعبيدها يبحثون عن أبواق تساعدهم في البقاء في كرسي السلطة، أطول فترة ممكنة، وقيمة أي واحد منهم أمام الناس، وأمام نفسه أن يكون في منصب، فالمنصب وحده هو الذي يعطيه القوة، ويبقيه في فكر وذاكرة الآخرين، فإذا فقد المسئول الكرسي، ضاع منه كل شئ! لحظة تأمل قيل لسعد زغلول: إن خصومه يلومون الشعب لأنه يكرمه، وهم يرون أن التكريم يجب أن يكون للمبادئ لا للأشخاص. قال سعد زغلول: هذا عجز وافلاس، المبادئ لا وجود لها إلا في الاشخاص، وهذا ما جاء في الدين، إن الله يعذب الشخص لأنه ضل ويثيبه لأنه اطاع ربه، ولم يعصه، فلم تخلق الجنة لمثوبة مبدأ، ولم تخلق النار لتعذيب المبدأ، وإلا لرأينا جهنم مملوءة بالمبادئ ولرأينا الجنة مملوءة بالمبادئ أيضا! مقال في كلمات معيار صحة النظام السياسي، هو شعور المواطن بصدق هذا النظام في أقواله وأفعاله. أبناؤكم، خلقوا للحياة، والحياة ترفض ان تقيم في منزل الأمس. أحلي ما في الحياة، التواصل بين الأجيال. الحرية، ضريبة يدفعها الأحرار من راحتهم، ومن دمائهم، ومن أرواحهم، ولا يتألمون أما الفاسدون فهم أولئك الذين يتألمون من الحرية، ولو لم يدفعوا ضريبتها.. لأنها ستكشف سرقاتهم، وسوآتهم وأساليبهم القذرة في قتل الابرياء بلا ذنب ارتكبوه سوي تمسكهم بالحرية والشرف والحياة الكريمة. الصحافة مثل التعليم، لا يجوز ان يشتغل بها الجهلاء والمنافقون، وما اكثرهم في هذا الزمان المعيب.