في الركن البعيد الهادي عن صخب معرض الكتاب تجمع حوله الزوار من كل الأعمار، يتابعونه وهو يرسم وعلي جبهته تعرجات من تضاريس الجلد القاسية، التي تتفاعل مع هيئة الطين الاسواني الذي يلعب بين يديه، وعلي الآلة الحديدية التي يعزف عليها بكل ذرة من الطين، ويجعلها ترقص ذات اليمين وذات الشمال، وتهدأ بعدها صرامة ملامحه، وقساوة الطين الذي بين يديه، عندما ينتهي من عمله، ويصفق له الملتفون من حوله وهو يعرض عليهم «الجمال» الذي صنعه بأشكال مختلفة من الفخار. واستطاع الشاب محمد نجاح -29 سنة- ان يجذب اليه انظار زوار المعرض وهو «يحفر» في الطين من أجل لقمة العيش وصناعة تراثنا بكل الاشكال، وكان وراء كل ذلك قصة كفاح، يرويها لنا ويقول انه ورث المهنة عن خاله الذي كان صاحب محل فخار لأسرة تعمل فيها منذ القدم، وتعلم منه الكثير وهو طفل صغير، وبعدأن تخرج في المعهد الفني وأدي الخدمة العسكرية، عمل في وزارة الثقافة كفني خزف، ويحرص منذ 7 سنوات علي المشاركة في معرض الكتاب. لايخفي محمد سعادته بفرحة الاطفال وهم يتجمعون من حوله لمشاهدته، ويقول: أحرص دائما علي صناعة اشكال بسيطة من الزينة والحيوانات لادخال البهجة في قلوبهم وكسب العيش في نفس الوقت، ويظهر ذلك من أسعاره، فيتراوح سعر إناء الزينة الفخاري بين 20 إلي 30 جنيها، بينما الاشكال المخصصة للاطفال فيتراوح سعرها بين 10 إلي 18 جنيها. ويشكو محمد من عزوف الناس عن شراء منتجاته حتي بدأت المهنة تهدد بالانقراض نتيجة لغزو المنتجات الصينية والمستوردة والتي يمكن أن تكون ارخص من المنتج المصري لقلة التكلفة وتعود ملامحه للانفراج وتظهر عليها البسمة وهو يتحدث عن صناعة الفخار قائلا: انها سحر يحتاج لفنان، فأنت تحول الطين إلي اشكال رائعة فنية، وعن مراحل صناعتها يؤكد أن لكل قطعة طريقة خاصة بها، فهناك قطع تصنع علي مرحلتين وقطع أخري تصنع علي ست مراحل، كما أن هذه الصناعة لا تقتصر علي القلة والزير وطواجن الطعام ولكن تدخل في كل شيء في الديكور، مثل «الفازات» الاباجورات وحدات الاضاءة وغيرها وكانت البسمة هي آخر ما شاهدناه علي وجهه وهو يتحدث عن صنعته ومعشوقته. روحية جلال