حل مجلس الشعب كان مطلباً جماهيرياً قبل انتفاضة الشباب يوم 25يناير، وأثناءها، وبعد انضمام الشعب بكل فئاته وطبقاته إليها. الفترة التي سبقت المعركة الانتخابية حملت مؤشرات صريحة أو متحفظة ترمي إلي أن الحزب الوطني الحاكم سيحظي بأغلبية غير مسبوقة، خاصة بعد زيادة عدد النواب إلي أكثر من 500نائب. وتصوّر كثيرون من حسني النية أن هذه المؤشرات تعني استمرار الحزب الوطني في احتفاظه بأغلبيته المريحة تحت قبة البرلمان، التي لن تتأثر بوجود نواب تمثل كل القوي السياسية المعارضة والمستقلة مادامت الأغلبية المريحة قادرة علي تمرير قوانينها ولو بأصوات معدودة تفوق أصوات الرافضين المعترضين. وقتها.. قال المتفائلون المحايدون إن حرص الحزب الوطني علي الاحتفاظ بأغلبية غير مسبوقة في مجلس الشعب الجديد، تهدف أولاً وأخيراً إلي تقليص تمثيل جماعة الإخوان المسلمين إلي أدني مستوي حتي لا يحدث ما حدث في المجلس السابق من وجود 88 نائباً يتحدثون باسمها تحت سمع وبصر مادة دستورية تحظر قيام أحزاب وجماعات تحمل هوية دينية وفي الوقت نفسه تلتزم الحكومة، كما توقع المحايدون المتفائلون، بإجراء عملية انتخابية نزيهة تتيح لملايين الناخبين حقهم في انتخاب من يختارونهم من كل الأحزاب السياسية، ومن بين المستقلون .. وما أكثرهم. استمعنا، وقرأنا، لكثيرين كانوا يتوقعون شكل تاني لبرلمان2010، أبرز ما فيه وجود عشرات أو حتي مئات من نواب المعارضة والمستقلين، في مواجهة أغلبية متواضعة ومريحة للحزب الحاكم.. يمكنها تمرير بعض قرارات حكومتها والفشل في تمرير بعضها الآخر بشرط التزام نوابها بالوقوف دائماً إلي جانب الصالح العام والدفاع عنه سواء وافقت السلطة التنفيذية أو اعترضت.ليس هذا فقط.. بل توقعنا أيضاً أن نكرر بين الحين والحين ما يحدث في برلمانات الدول الديمقراطية عندما يتقدم نواب أحزاب المعارضة بمشروعات قوانين ترفضها السلطة التنفيذية، في حين يوافق نواب الحزب الحاكم عليها والتصويت لصالحها. ويحضرني في هذه اللحظة.. سؤال وجهته لأحد قيادات الحزب الوطني عن توقعاته للمجلس الجديد، فأكد لي أن نتيجة الانتخابات ستأتي بمعارضة حزبية، ومستقلة، أكثر كثافة مما كانت من قبل. وأوضح قائلاً: »إن نواب الأحزاب السياسية الثلاثة الوفد، والتجمع، والناصري ستتضاعف أعدادهم، كما سيضم المجلس نواباً لأحزاب معارضة لم يسبق لها أي وجود تحت القبة منذ إنشاء تلك الأحزاب وحتي اليوم. وأن معظم رموز المستقلين في المجلس السابق سيعاد انتخابهم في المجلس الجديد نظراً لنشاطهم وجديتهم وشعبيتهم لدي أبناء دوائرهم«. ولم يكتف القيادي السابق في الحزب الوطني بتلك التوقعات وإنما فاجأني قائلاً:» لست مع حظر ترشيح ممثلي الإخوان المسلمين، بشرط تخليهم عن شعاراتهم وهتافاتهم طبقاً للدستور. حقيقة إن الجماعة مُثلت في المجلس السابق ب 88 نائباً، لكن الحقيقة الأخري أن هذا العدد أكثر بكثير مما تمثله الجماعة في الشارع المصري، لكنهم قفزوا إليه ليس حباً في أهدافها وإنما كراهية في الأغلبية الحكومية، من جهة، ولعجز أحزاب المعارضة، من جهة أخري، علي فرض شعبيتها. عندما تجري العملية الانتخابية المنتظرة، ويقتنع الشعب و أحزابه السياسية والشخصيات العامة المستقلة بسلامتها ونزاهتها فمن المؤكد أن يتدفق الملايين إلي الصناديق لاختيار نوابهم الجدد من الحزب الوطني وباقي الأحزاب والمستقلين وبأعداد غير مسبوقة، كل حسب شعبيته، ونشاطه، وبرنامجه«. أعجبني ما سمعته من القيادي في الحزب الوطني، وتوقعت خيراً رغم اقتناعي بأن هذا القيادي كثيراً ما استقل بآرائه عن آراء معظم القيادات الأخري، وأن ما سمعته يمكن أن يكون أحلاماً تترك للتمني. وجاءت نتيجة الانتخابات مخيبة لكل توقعات المتفائلين والمحايدين والكثير من المؤيدين للنظام وللحزب الوطني. ولست في حاجة للتذكير بواقع وأهوال فساد العملية الانتخابية الصورية في الغالبية العظمي من دوائرها.. بالصوت والصورة.فهي ما زالت أمام عيوننا، وسجلت ضمن قائمة البرلمانات الأكثر تزويراً علي مستوي العالم.