دقيقتان فقط بعد السادسة من مساء الجمعة العظيم جاء الخبر المنتظر، تم استخراج شهادة الوفاة للنظام الذي كان قد سقط بالفعل في 52 يناير، طوفان البشر في شوارع مصر وميادينها. الملايين التي كانت تغلي بالغضب وتستعجل النهاية تنفجر في شلال من الفرح الجنوني. كل سنوات القهر والاستبداد والفساد تتحول في لحظة إلي شعور بالكرامة في وطن يعود لابنائه فيلخصون اللحظة في ابداع جميل: ارفع رأسك.. انت مصري. حتي قبل يومين فقط كانت هذه الملايين مازالت توصف في الاعلام الرسمي بانها »القلة العميلة المندسة« اما الاغلبية الكاسحة عند هذا الاعلام فكانت تلك التي اقتحمت ميدان التحرير في يوم الاربعاء المشئوم في موقعة جمال وحمير الحزب الوطني الذي اسقطت مئات الشهداء والجرحي. وهي تلك الفئة التي عاشت علي نهب مصر والتي كانت تمني النفس ان تستمر في عمليات النهب لو استمر النظام الذي وفر لها كل الفرص لكي ترتكب جرائمها دون ان يدرك انها تقوده بهذا الفساد الذي لا مثيل له.. إلي الهاوية. لم يفهم هؤلاء ان المعركة قد حسمت يوم 52 يناير المجيد، حين تحولت الشراسة التي اطلقها شباب مصر العظيم إلي ثورة شعبية شاملة تطلب العدل والحرية وكرامة المصريين في وطنهم، لم يسألوا انفسهم كيف يمكن ان يستمر نظام بكل هذا الفساد الذي تم كشفه، وبوزراء يحاكمون امام القضاء علي جرائمهم في حق الوطن، وبنظام امني تفكك بعد ان قتل المئات من شهداء الثورة، وبحزب حاكم تبين انه ليس حزبا وليس حكاما وانكشفت قياداته ما بين فئة عاجزة أو فئة غرقت في الفساد والثراء غير المشروع لم تكن تفكر في الوطن بقدر ما تفكر في كيف تهرب بثرواتها قبل الحساب!! لم يفهم هؤلاء ان المعركة قد حسمت في 52 يناير المجيد حين تحولت انتفاضة الشباب إلي ثورة للشعب بكل طوائفه ثم حين رفض جيش مصر العظيم ان يطلق رصاصة واحدة علي ثوار مصر الذين خرجوا يستعيدون مصر الحقيقية من ايدي سارقيها. لم يفهم هؤلاء ان جيش مصر العظيم لا يمكن ان يكون إلا في صف ثورة الشعب وانه اذا كان قد تأخر بضعة ايام في كتابة كلمة النهاية فلأنه يريدها ثورة بيضاء! وبدلا من الانصياع لحكم الشعب، مارس هؤلاء كل الحيل الصغيرة والكبيرة لكسب الوقت وللحديث عن تعديل دستور اسقطته الثورة، وعن تصحيح برلمان جاء بالتزوير وعن شعب لم يدركوا عمق الكارثة التي صنعوها له إلا بعد فوات الأوان وبعد اعوام من ترديد الاكاذيب عن ازهي عصور الديمقراطية واجمل ايام الرخاء التي يعيش فيها نصف الشعب تحت خط الفقر!! وكما حاولوا كسب الوقت، فعلوا المستحيل للايقاع بين الشعب وقواته المسلحة، ولم يدركوا انهم منذ البداية يحرثون في البحر.. فالشعب اظهر منذ البداية اعظم درجات الوعي، والجيش كان منذ اللحظة الاولي قد حسم موقفه بما يتفق مع تاريخ طويل للعسكرية المصرية لم تكن يوما إلا مع الشعب في جبهة واحدة ضد اعداء الوطن.. سواء جاءوا من الخارج أو الداخل. لقد انتصرت اعظم ثورات مصر ولن تكون اعادة الاستقرار مهمة صعبة مادام الشعب والجيش في طريق واحدة لبناء مصر التي نحلم بها جميعا. ولكن البداية لابد ان تكون المحاسبة الصارمة علي كل ما وقع.. فما تم نهبه لابد ان يعود ومن نشر الفساد أو استغل النفوذ لابد ان يحاكم ومن خان مصر وهدد أمنها وحاول تركها في يد اللصوص والمخربين انتقاما من الثورة لابد ان ينال جزاءه العادل وقبل ذلك كله.. فإن القصاص العادل لشهداء الثورة امر لا يمكن التسامح فيه علي الاطلاق. ان الانتقام ليس هو الهدف ولكن الحساب العادل علي ما وقع هو المدخل الذي لابد منه لكي تبدأ الثورة مهمتها الاساسية في بناء مصر التي طال شوقنا اليها.. وطنا يسوده العدل وتحكمه الديمقراطية ويبنيه ابناؤه بالعلم والعمل. وتستعيد به مصر مكانتها صانعة للحضارة وقائدة لعالمها العربي علي طريق التقدم والحرية. والمهمة كبيرة وصعبة ولكن الذين انجزوا اعظم الثورات قادرون علي انجازها. والذين اسقطوا النظام الذي نخر فيه سوس الفساد قادرون علي بناء النظام الذي يحقق امال شعب يثبت العالم كله انه يستحق المستقبل الذي يرجوه ويملك كل مقومات صنع ذلك المستقبل وفي مقدمتها ذلك الجيل الرائع الذي فجر ثورة 52 يناير لتشرق علي مصر شمس العدالة والحرية.