ما أعجب أن تحيا الدنيا بقلب محزون وفم مبتسم، وما أعجب أن يمضغ فكك طعاما شهيا لا تشتهيه وان يتسرب إلي جوفك شراب ندي لا تلتذ به ولا تدريه، وما أقسي أن تهرول بين الناس بثوب نظيف جميل، أنيق يستر قلبا ينزف وجعا، وألما وحزنا شفيفا ترتضيه. كلما ودعت حبيبا إلي قبره ينتابني هذا الشعور النحيب، بين ألم الفراق وضرورة البقاء، كيف تحيا بقلب مفتوح النوافذ نافذة تطل علي زهرة الفناء وأخري حيث الخلود والبقاء، كيف تجمع في جوفك بين الضدين، استقامة الحياة واستفاقة الموت. آه لقلب كان بالأمس يري رضا الأخ والصديق والجار الحبيب مهندم الثوب، رقيق الصوت، جميل الوصف، لطيف العبارة، دقيق الاشارة، كتفا بكتف، وقدما بقدم يصطف في صلاة الجماعة يؤمنا «أبوسعدة» بصوته الرخيم ويزاحمنا في الصف محيي، وشلبي وحشيش، وعبدالهادي، وخيري ودنيا ومجدي.. وجمع من الصحب الجليل بصوته العالي الرائق يطلب منا «نور» أن نقرأ الفاتحة متوسلين للمولي ان يمن بالشفاء علي الاستاذ رضا محمود ومرضي المسلمين. وهو معنا يرفع كفه ونرفع جميعا أكف الضراعة للكريم أن يشفيه من كل سوء.. لينصرف طيبا الي عمله. الي المستشفي.. الي قبره.. واعجبا لقلب.. كيف يري الحياة النضرة تغرب في قبرها. في روضها بين آهات الحنين وانات اليقين.. لكنها الحياة، الاختبار، نعيشها بحلوها ومرها، بنارها ونورها، بفرحها وترحها.. نحياها بين نافذتين: احداهما تطل علي الفناء والاخري يشرق منها نسيم البقاء. ندعوك يا رب.. ان تربط علي قلوبنا فلا يختل الميزان وان تثبت فؤادنا حتي نلقاك بفضلك لنرتوي حوض نبيك المصطفي صلي الله عليه وسلم.. ونقول بملء قلوبنا وارواحنا «غدا نلقي الاحبة، محمدا وصحبه».