عندما يأتي اسم مصر.. أشعر بالرغبة في البكاء.. ولا أعرف.. لماذا؟ الحزن يداهمنا فجأة.. ويزلزلنا، ويعصف بنا، ويجتاحنا كالاعصار.. عكس الحب.. الذي يتسلل الي القلب »بالتقسيط« أو مثل الري بالتنقيط.. والقلب يستقبل الحب مثل استقبال الأرض العطشي للمطر.. فالمطر يصافح الأرض نقطة.. نقطة، ويتكون النهر من إبداع المطر نقطة.. نقطةوليس كالحزن شلالا.. وزلزالا وقد زار قلبي عاصفا مرة واحدة في مرات متلاحقة حتي بني له من القلب بيتا.. ما يحدث للوطن الآن يوجعني ويؤلمني.. وهؤلاء الفئة الضالة التي أستغلت ما يمر بالوطن لتسرق وتنهب وتدمر وتقتل الأبرياء في الشوارع ليسوا من أبناء مصر.. أبناء مصر الحقيقيون هم الذين يقفون ليل.. نهار في الشوارع ويطالبون بطلباتهم المشروعة وبحقهم في الحياة وفي إيجاد لقمة عيش شريفة.. متي تهدأ يا وطن.. ومتي يستكين الإرهاب الذي يحاول أن يسكن الضلوع في كل قلب ولم كل هذا الحزن.. لماذا لا يكون حبا.. الحب يتكون في القلب حبة.. حبة مثل حبات المطر.. الحزن يولد كبيرا، والحب يولد علي درجات سابقة عليه مثل المعرفة والصداقة والألفة والتعود والوداد والحنان.. ثم يتطور الحب الذي يعرف الهوي والجوي ويصير عشقا وغراما.. أين الحب الذي يجب أن يسود كل أرجاء الوطن المعذب!! مصر التي في خاطري الأحد: عندما يأتي اسم مصر أشعر بالرغبة في البكاء.. ولا أعرف لماذا؟ أريد دائما أن يأتي اسم مصر في موضعه الصحيح من المشاعر.. هذه المشاعر تأتي من صدق الشعور بعيدا عن كلمة »مصر« التي كثيرا ما ينطق بها التجار والسماسرة.. اسم مصر العظيم موجود في القرآن.. في مواضع كريمة وكذلك جري اسم مصر علي لسان أمير الشعراء أحمد شوقي بكلام كريم يقول فيه وطني لو شغلت بالخلد عنه، نازعتني اليه في الخلد نفسي وحسبنا ما قاله الشاعر الكبير.. شاعر النيل حافظ ابراهيم في قصيدته »مصر تتحدث عن نفسها«. وكذلك ما قاله الأمير الشاعر عبدالله الفيصل في قصيدة عن مصر قال فيها: يا مصر يا زينة الدنيا وفتنتها ما كنت إلا ملاذ العلم والأدب النيل يمرح في واديك منعطفا علي الخصيب ويروي غير مختصب والحسن والفن والأغصان وارفة علي المرابع من ناء ومقترب كأنها صورة الفردوس ماثلة بكل مستوطن فيها ومغترب أم الحضارة والتاريخ من قدم كم سطرت مجدها في رائع الكتب.. عاشت مصر حرة أبيه بأيدي رجالها الشرفاء!! »هموم الرجل السعيد« الاثنين: الأزمة الاقتصادية تمسك بخناقنا جميعا، ولم يعد في هذا الوطن من لا يحمل همومه ولو بمقدار.. وهذا البلد الذي نرجو أن يعود آمنا كما كان.. هو ملك لنا جميعا.. وبناؤه هو مسئوليتنا جميعا أيضا.. في هذا العصر لم يعد هناك ذلك الفرق الحاد بين فرد فقير وآخر غني. بل أصبح من خصائص هذا العصر أن يوجد مجتمع غني وآخر فقير، بمعني أنه إذا وجد الفرد الغني في المجتمع الفقير فلابد أن يعاني هموم ذلك المجتمع الفقير، لأن هذا الغني لا يملك أن ينشيء له مرافق خاصة مثل إنشاء طريق خاص، وشبكة إنارة خاصة، وسنترال خاص، وسكك حديدية خاصة، وشبكة مياه خاصة وكذلك إقامة مجتمع من نوع خاص.. إذن هذا الغني لابد أن يعاني أيضا من مشكلات المجتمع الفقير والعكس صحيح.. فالفقير الذي يعيش في مجتمع غني يستمتع برخاء هذا المجتمع ووفرة العيش فيه وهناء الحياة علي أرضه. ما العمل إذن؟ العمل هو العطاء في هذه السنين دون إنتظار المقابل الجشع، هذا البلد الذي يمنحنا الأمن والأمان.. لابد أن نعطيه حتي ينهض من جديد.. أليمة هي الكلمات التي نسمعها من ذلك الحبيب الذي يجني أموالا باهظة من مرضاه والذي لا يعلم من أين أتوا بها ثم لا يدفع أموال الضرائب، كذلك التاجر الذي سارع بسحب أمواله من البنوك خوفا من الاجراءات الأخيرة وما حدث في الشارع المصري.. ما الذي يمنع أن نعمل كثيرا ونكسب كثيرا ونعطي حق الدولة؟ كل الدول تفعل ذلك ولا أظن أن هناك مواطنا في أكبر دول العالم من ناحية القوة والغني وهي أمريكا يهرب من ضريبة الوطن والمتهرب هو ذلك الخائن الذي يحرم من كل الحقوق.. أنتم أيها الأغنياء عليكم العبء الأكبر لكي يبقي هذا البلد آمنا مطمئنا.. بعيدا عن تلك الأفكار السوداء عن الصراع الطبقي الذي تريده لنا قوي خارجية.. وبعيدا عن ذلك الحقد الأسود الذي يجعل القلب أشبه بمغارة وحشية من غياب الحب مرحبا بالعمل والحب علي أهل مصر!! العجوز والقطار الثلاثاء: المكان محطة سكك حديد القاهرة.. صالة المحطة الكبيرة مزدحمة بالركاب.. منهم المسافر ومنهم من ينتظر.. ومنهم القادم من بعيد.. وعلي أحد الأرصفة يطلق القطار صفارته إيذانا بالرحيل.. وفعلا يتحرك القطار بحذاء الرصيف.. وبعض الركاب يحاولون الركوب في اثناء السير وينجحون في ذلك.. والبعض الآخر يستعجل بائع السجاير علي الرصيف ليلحق بالقطار الذاهب الي الزقازيق والبعض يشرب زجاجة من الكازوزة وعنده الإحساس بالأمان بأنه سيلحق بالقطار مع أن سرعته بدأت تزداد رويدا.. رويدا.. بل إن سير القطار أعطاه الفرصة ليجري بطريقة معينة يستعرض فيها نفسه وعنده شعور أن أنظار البنات في ديوان الدرجة الأولي تتعلق به مفتونة بشبابه وصدره العاري الذي يطل من شعره الأسود الكثيف.. ووسط هذا الزحام عجوز يحاول اللحاق بالقطار.. وأيدي الركاب تطل من النوافذ تشير علي العجوز أن يزيد من سرعته وهم يلتقطونه من علي الرصيف وتزداد سرعة القطار وتزداد معها سرعة الأيدي الراغبة في مساعده العجوز علي الركوب، وأن لا تزال هناك فرصة اللحاق بالقطار.. ويغادر القطار الرصيف ويفشل العجوز في جهاده مع نفسه ليزيد من سرعته.. وتتعلق الأعين به وقد توقف تماما وهو يلهث ويجفف عرقه بمنديل قديم.. ويتحسس شعر رأسه الأبيض القصير وظل واقفا بعض الوقت سارحا شاردا تعلوه كآبه زادت تجاعيد وجهه عمقا وأرتسمت عليه بسمة الأسي الحزين علي شيء فاته غير القطار. رجل رفض أن يتحدث بعد الموت الأربعاء: في هذه الأيام.. يمر علي الوقت طويلا.. طويلا.. خاصة في الليل الذي كان ملكا لي ولأصحابي الذين فارقوني وتركوني وحيدا.. لأتذكرهم وأسمع كلماتهم بالحب والدموع.. في هذه الأيام تلح علي ذكري هذا الرجل أناديه دائما.. ولا أجده.. آه لو أن هذا الرجل صمت في حياته قليلا.. لظل يتحدث معنا مدي الحياة فالمفكرون العباقرة.. لا يزالون يتحدثون معنا من خلال ما تركوه لنا.. وللأجيال.. وكان صاحبي عبقريا من نوع خاص.. الراحل المحبوب كامل الشناوي الذي وقع في هوي الليل.. والكلام.. والحب والأصدقاء.. والسمر والشعر والصحافة والأدب ولم يقع في هوي الكتابة في الكتب.. وما قاله كامل الشناوي للأصدقاء في الليل.. أمتع وأحلي آلاف المرات مما كتبه.. هذا الرجل جني عليه حب الأصدقاء له، وحبه لأصدقائه.. فكانوا جميعا يستدعونه بالذهاب اليه وكان دائما يناديهم للجلوس معه.. وقال ما قال.. وأضحك.. وأبكي! وظل يتحدث وأصبح تاريخه كله حديثا مع الاصدقاء.. وثراؤه كله في سهر الليالي حتي الصباح.. وكنا جميعا نسأله نحن الاصدقاء والمريدين: لماذا لم تقل ما تقول في الكتب ليظل حاضرا للأجيال.. وكان يقول لنا: يظل الانسان عاقلا حتي يظهر له كتاب!! وأصبحت حياته هي كتابه الوحيد.. ومات.. وخلت ساحة العشق من فارس الليل.. وخلت ساحة الظرفاء من أعظم متحدث.. وكان آخر حلقة في سلسلة الظرفاء الذين عرفهم تاريخ الادب العربي وأصبحنا ننادي عليه ولا يجيب ولا نجد سوي الأحزان!!