يفترض أنه يدير سياسة لا يتابع مقاولة، يدير فريقا لا أن يلعب بدلا منه، ويضيع وقته في التقاط الكرات الشاردة، وفي رش «اسبراي» علي روائح كريهة تخلفها رداءة أداء الوزراء والمحافظين لا يكفي التعديل الوزاري الوشيك، ولا إقالة وزراء وجلب وزراء، خاصة أن السوابق لا تبدو مشجعة، فقد جرت عدة تعديلات علي حكومة السيد إبراهيم محلب، وإلي حد أنها تحولت إلي حكومات لا حكومة واحدة لمحلب، وكان الوزراء الجدد غالبا أسوأ من القدامي، وعلي طريقة اختيار محب الرافعي خلفا لمحمود أبو النصر في وزارة التعليم، وكانت كل مؤهلات الرافعي هي فشله العظيم في رئاسة هيئة محو الأمية وتعليم الكبار، فشل مع الكبار، فأتوا به لتعظيم أمية الصغار، وقس علي ذلك حالات أخري لوزراء أتوا من المخزن البيروقراطي، أو من باب الصدمات الكهربية المزلزلة للنظام، وعلي طريقة اختيار المستشار أحمد الزند وزيرا للعدل. وقد لا يصح إنكار وجود وزراء يؤدون واجباتهم بقدر معقول من الحرفية والدأب، ليس في وزارات السيادة وحدها، وهؤلاء يعينون عادة من قبل الرئيس، بل في وزارات أخري كالكهرباء والشباب والتموين، إضافة للمهندس إبراهيم محلب، الذي يقوم غالبا بدور الوزير الأول لا رئيس الوزراء، ويقوم عن الوزراء المقعدين بواجباتهم المنسية، فهو الوحيد الملتزم بشعار «سبعة الصبح» الذي بدأت به وزارته في عهد السيسي، لا يكل ولا يمل، ولا يكاد يجلس إلي مكتبه إلا نادرا، وهذه طريقة عمل ألفها من سابق خبرته الطويلة في شركة مقاولات كبري، لكنها لا تفيد بالضرورة في عمله المفترض كرئيس للوزراء، يفترض أنه يدير سياسة لا يتابع مقاولة، يدير فريقا لا أن يلعب بدلا منه، ويضيع وقته في التقاط الكرات الشاردة، وفي رش «اسبراي» علي روائح كريهة تخلفها رداءة أداء الوزراء والمحافظين. وقد لا نحب أن نحمل المهندس محلب فوق ما يحتمل، فالرجل لا يقصر فيما يستطيعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد ظل محلب رئيسا للوزراء لأطول فترة قياسا لسابقيه بعد الثورة، ودون أن يحس الناس بالفارق في أداء الحكومة، لا في خيباتها ولا في إنجازاتها، اللهم إلا في مسائل تدخل فيها الرئيس السيسي شخصيا، أو أدارها بمؤسسات خارج الجهاز الحكومي، وعلي طريقة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وإدارة الأشغال العسكرية، وجهاز الخدمة الوطنية، وهي المؤسسات التي ينسب لجهدها كل إنجاز مرئي، ومن أول إنجاز قناة السويس الجديدة، وإلي شبكة الطرق الموسعة، وإلي مشاريع اقتحام الصحراء والاستصلاح الزراعي لمليون فدان إضافي، فضلا عن التوسع العمراني بإنشاء سلاسل المدن الجديدة، وحتي إصلاح معهد القلب، وتجديد وصيانة محطات الكهرباء، وبما قضي علي ظاهرة الانقطاعات الطويلة للكهرباء في صيف السنوات الأخيرة، وكل هذه الإنجازات وغيرها كانت من عمل حكومة أخري غير حكومة محلب، حكومة يديرها الرئيس السيسي بنفسه، ويتابع تفاصيل التفاصيل فيها، وطبقا لتصوره عن الإنجاز في أسرع وقت وبأعلي جودة وبأقل تكلفة، حكومة تتحرك بسرعة الصوت، لا حكومة محلب التي تمشي ببطء سلحفاة مصابة بشلل أطفال. صحيح أن الرئيس السيسي أعرب عن ضيقه مرات بحكومات محلب، كان أشهرها علنا «حديث البلدوزر»، وقتها كان غضب وعتاب الرئيس مريرا، وقال للمهندس محلب «فين البلدوزر يافندم؟»، كان محلب قد وعد الرئيس بحكومة فدائيين، تقوم بدور «البلدوزر» وكاسحات الألغام، ثم تبين أنه لا دور للحكومة بغالب الوزراء غير وضع الألغام في طريق الرئيس، أحدهم دافع عن استبعاد أبناء الفقراء من الوصول لمنصة القضاء، ثم جاءوا بآخر يقسم الناس إلي سادة وعبيد، وثالث تفاخر بتمييز «أبناء الكبار» علي سواهم من خلق الله، وأرغم المجلس الأعلي للجامعات علي استثناء أبناء القضاة والضباط من قواعد التحويل الجغرافي والإقليمي، وفي سياق بدا معه هذا الكلام الفارغ كأنه «توجيهات عليا»، بينما القصة كلها لا تعدو كونها إساءة للرئيس وتزويرا لصورته، وادعاء رضاه عن هذا الفجور في خرق الدستور (!). والكرة علي أي حال في ملعب الرئيس لا في حوزة محلب، وبوسع الرئيس أن يقرر تغييرا شاملا يحتاجه البلد، لا تعديلات صورية مما ألفناه إلي الآن، فالوقت لم يعد يحتمل تأخيرا مضافا، ولا معني لنصائح من نوع تأجيل التغيير إلي ما بعد انتخابات البرلمان، فلن يكون البرلمان أقل سوءا من هذه الحكومة، ثم أن تشكيل البرلمان لا يقدم جديدا في الموضوع، فهو برلمان فيما نتوقع مبرقش مرقط كجلد النمر، ولن يكون بمقدور البرلمان تشكيل حكومة لغياب لون سياسي حاسم فيه، وهو ما يجعل تشكيل الحكومة من حق وواجب ودور الرئيس بغير منازعة، والأفضل أن يفعلها الرئيس الآن، وأن يشكل حكومة تعمل معه لا ضده، فالسلطة لاتزال ضائعة في الفوضي، والتناقض ظاهر في الصورة الكلية، ولازلنا بصدد رئيس جديد يحكم بالنظام القديم ذاته، وهو ما يضيع القيمة الاجتماعية والشعبية لإنجازات الرئيس، ويقيم الجدران الفاصلة بين حس الناس وعمل الرئيس، فلايزال الفساد يحكم ويعظ في الجهاز الحكومي والإداري كله، ولاتزال الحكومة أسيرة لتحالف البيروقراطية الفاسدة ومليارديرات المال الحرام، ولايزال الميل للترقيع في الثوب المهترئ قانونا ساريا، ومع تقديم أكباش فداء صغيرة لمحاكمات لا تنتهي إلي شئ، ومع فرض حظر النشر بدعوي محاربة الإرهاب، مع أن الفساد أخطر من الإرهاب، فهو الأب الروحي المفرخ لطيور الظلام والإرهاب والبلطجة. ونقولها بوضوح، آن الأوان لكنس مخلفات نظام «طلعت ريحته»، خلعت الثورة الشعبية رأسه، لكن جسده لايزال في قلب صورة الحكم، يتمدد ويتمطي كجثة متعفنة مرمية في الطريق العام، ولا بديل عن إزاحة الجثة وكنس الركام، وهي المهمة التي يستطيعها الرئيس السيسي، وربما الآن قبل فوات الأوان، وبتأييد شعبي كاسح مضمون من الفقراء والطبقات الوسطي، وهم أغلبية المصريين التي أعطت صوتها للرئيس، وتنتظر ضربته التي تأخرت.