مجدداً نحن معكم. هكذا كان يأتي صوت مذيع لبناني تاه مني إسمه وقت الحرب الأهلية اللبنانية. كنت أنتظره. أذني علي موعد مع صوته. أستعيد عبارته وأنا أكتب. ليس معني هذا أننا وصلنا لمشارف لبنان وما جري فيها. وقي الله مصر شر ما جري في لبنان. صباح السبت الخامس من فبراير. يوم ميدان التحرير الثاني عشر. الأزمة تراوح مكانها. والكل يراهن علي الوقت. لحظة انتصاف ليلة السبت. الميلاد الأول لنهار السبت. في ميدان التحرير. حاول الشبان مد تواجدهم إلي شارعين في الشوارع السبعة التي تصب في الميدان. وصلوا في شارع طلعت حرب حتي ميدان طلعت حرب وفي شارع محمد محمود - المعروف جماهيرياً بشارع الجامعة الأمريكية - حتي باب اللوق. بعد وصولهم لباب اللوق أتي البلطجية. - والبلطجي كلمة تركية تعني حامل أو صاحب البلطة - وحاولوا إجلاء الشباب. وحتي لا تقع المذبحة أو تتكرر مذبحة الأربعاء الدامي. تدخلت القوات المسلحة وأطلقت أعيرة نارية في ليل باب اللوق. لمنع الطرفين من الاشتباك. الجرحي خمسة عشر جريحاً. نفس هذا السيناريو جري في المنصورة بحذافيره. جاءوا واشتبكوا. المهاجمون والمدافعون. الرافضون والمؤيدون. شباب تحت المظلة وشباب خارجها. ونتيجة الاشتباكات الليلية 25 جريحاً في المستشفيات الآن. في ميدان التحرير صباح السبت. حاول رجال القوات المسلحة رفع السيارات المحترقة والأنقاض التي تركتها الأحداث. لكن الشبان رفضوا ذلك. وحالوا دون إتمامه. ربما تصوروا أن رفع الأنقاض يعني اعطاء الأمور بعودة الأمور إلي ما كانت عليه. وكأنهم يا بدر لا وقفوا ولا تظاهروا ولا قضوا 12 يوماً في ميدان التحرير. وهكذا تركت القوات المسلحة الأمور علي ما هي عليه. فوجئ الشبان مع تقدم النهار بأن الدبابات تتحرك لتأمين أماكن قيل إنها أكثر أهمية مثل المتحف المصري. والمجمع الحكومي. وجامعة الدول العربية. وجامع عمر مكرم. ومقر وزارة الخارجية القديمة. وبقايا الجامعة الأمريكية. في نفس الوقت جري كلام عن بداية اعتقالات في صفوف الشبان. ثم ظهرت القناصة علي أسطح العمارات المحيطة بالميدان. فهل يجري إعداد المشهد لتكرار الأربعاء الدامي واستعادته؟ المجتمعات تستعيد النجاحات وتستبق إليها. لكنها لا تكرر أبداً الفشل. نعرف أن التاريخ يقول لنا أنه يحدث مرة كحقيقة. ولكنه في المرة الثانية يصبح مهزلة. الشباب الذين انصرفوا من ميدان التحرير أكدوا أنهم سيعودون مرة أخري. وسموا الأسبوع الذي بدأ أمس أسبوع الصمود. وقالوا أنهم لو أصابهم التعب سيتظاهرون يوماً ويستريحون يوماً. لكن أعينهم علي تصرفات الدولة المصرية. ليست شاشات التليفزيون التي تملأ الميدان فقط ولا ميكروفونات الإذاعات. لكن هناك تيارات تسقط عليهم منشورات في كل لحظة. وكل هذا يتم ليس في غياب الدولة. ولكن في تحللها. الكل يحاول شراء الوقت. بقايا الدولة التي أخشي أن تكون قد تحللت تراهن علي أن الشباب قد ينصرفون مع مرور الوقت. والشبان يراهنون علي أن تصل رموز النظام علي حالة من الزهق والملل وترحل. المشكلة ليست في الحكم فقط. ولكن المشاكل طالت الجميع. والمأزق أمسك بخناق الكل. هؤلاء الشبان الذين يقفون في ميدان التحرير منذ إثني عشر يوماً لا بد أن يفرزوا قيادات لهم. لا بد أن يخرج من بينهم من يتكلم باسمهم. وإلا سيحاول لصوص الثورات سرقة ما قاموا به ونسبته إلي أنفسهم. لصوص الثورات والاحتجاجات والانتفاضات موجودون في كل زمان ومكان. فالثورة يحلم بها الفنانون والأدباء والشعراء. وينفذها القادرون علي معانقة المستحيل. ويسرقها الأوغاد في النهاية. والأوغاد يحلقون الآن فوق ميدان التحرير من كل لون ومن كل صنف. سمعنا عن لجنة من الحكماء. لا تعرف من الذي فوضها وأعطاها هذا الحق. وخروج اللجنة أخرج للوجود لجان أخري. لا تعرف من الذي يعمل بها. وما الذي يفرق بين لجنة وأخري؟ لكنه سباق اللجان التي لن تنتهي. محنة الحكومة الحالية كانت تشكيل اللجان لكل شئ ولأي شئ. وفي مصر يقولون إن أردت أن تقتل أمراً شكل له لجنة. وعدوي تشكيل اللجان. انتقلت من الحكم الغارب إلي من يتكلمون بإسم المصريين. ثمة كلام كثير عن أن الإخوان هم الذين يسيطرون علي الموقف. وأنهم موجودون في كل مكان. والإخوان تحدثوا صباح السبت عن أنهم أسقطوا شرط رحيل مبارك لكي يشاركوا في الحوار. وأنهم مستعدون للمشاركة. وسربوا الكثير من الأخبار. قالوا أنهم لا يريدون رئاسة الدولة. وإن كانوا يطمحون لمنصب النائب. وأنهم يرغبون في ستة وزراء من الوزارة قبل أن يدخلوا إلي الحوار. أخشي أن تكون أطلال النظام تحاول استخدام فزاعة الإخوان لتخويف الغرب وإرهاب العدو الصهيوني. هذه لعبة مزدوجة قد تحقق ما تريده فلول الدولة. ولكنها ستعطي في الداخل إحساساً كاذباً أن الإخوان هم الذين فعلوها مؤخراً. كلام جديد يقال ليبقي الشباب في التحرير ما شاءوا. لنفتح لهم الحدائق ويظلوا فيها إلي الأبد. هناك من يرددون أن حدائق هايد بارك في لندن تعمل والناس تعيش حياتها بشكل عادي منذ سنوات بعيدة. وهناك كلام آخر أن مظاهرات البلفيدير في بيروت استمرت سنة كاملة. لكن مصر أيها السادة لا تحتمل هذا. الوضع المصري الداخلي الآن من الهشاشة لدرجة أن الأمور يمكن أن تنفتح علي أخطر الاحتمالات في أي لحظة تمر. وفي مصر - قبل هذه الأحداث وبعدها - فائض من الغضب والرفض والإحساس بعدم الانتماء. موجود في كل مكان ابتداء من المشهد الأسري وانتهاء عند الشارع والمقهي والنادي والميادين. الغاز قصة أخري. والنيران المشتعلة بالقرب من العريش تعتبر أول تعبير خارجي عن الأحداث. لا علاقة لشباب التحرير بحكاية الغاز. لكني كمصري وعربي لا أريد أن يكون العدو الإسرائيلي طرفاً فيما يجري داخل مصر. عرفت أن الذي نسف الأنبوب الذي يصل إلي الأردن وليس إلي العدو الإسرائيلي. لكن وقف الغاز والاستمرار في وقف تصديره مسألة حياة أو موت. لا تعطوا العدو الإسرائيلي فرصة لتجديد أطماعه في سيناء. لا تنسوا أن هذا العدو يقول أن سيناء هي المكان الطبيعي للفلسطينيين. وأنه عرض علي مصر مقايضة جزء من سيناء بأي أرض تحتلها. إن كان حدود مصر الشرقية مهددة في الأيام العادية. فهي الآن في موقف بالغ الخطورة. والعدو علي الحدود.