في هذه المرحلة التي تمر بها مصرنا الحبيبة نري أمامنا واجباً: هو أن نصون مصر من أي تصرف مسيء، وأن نحميها من بعض الآثمين والغادرين، الذين أجرموا في حق وطنهم والذين خرجوا علي النظام، ولم يرعوا خدمة الوطن بل استغلوا الظروف الراهنة، فسطوا علي بعض الممتلكات والمنازل. فمنذ اندلاع المظاهرات، ارتكبت بعض عناصر الشغب أساليب السلب والنهب، والعدوان علي الأنفس والأموال، مرتكبين أبشع الجرائم في ظروف الاحتقان التي يمر بها المجتمع، وإنا إذ نحذر كل واحد من هؤلاء الآثمين نذكرهم بخطورة ما أقدموا عليه من عدوان، وبتحذير الرسول صلي الله عليه وسلم من هذه التصرفات الغاشمة في قوله صلي الله عليه وسلم: »إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا«. وننادي جميع العلماء والدعاة والكتاب والمفكرين وجميع قادة الرأي والفكر وجميع أطياف المجتمع أن ينهضوا برسالتهم في هذه الآونة، حتي لا يتفاقم الخطر. وكل من يمد يده أو يقدم رأيه من جميع شرائح المجتمع رغبة في حماية أرض الكنانة فمرحباً به كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة تعظّم فيها الحرمات إلا أعطيتهم إياها«. وقد اتضح من هذه الشدة التي مرت بها مصر إفراز بعض الظواهر السلبية الآثمة التي ارتكبها بعض العاطلين والآثمين ومن اندسوا في صفوف المتظاهرين فأحرقوا أقسام الشرطة وسلبوا معداتهم، وأحرقوا أحد مجمعات المحاكم واعتدوا حتي علي مستشفي السرطان للأطفال، واعتدوا علي البيوت والمحلات بالسلب والنهب، لا يراعون حرمة الأنفس ولا الأموال ولا الأعراض، ولا يخافون الله، ولا يوفون للوطن بذمة ولا دين، بل سعوا في الأرض فساداً، بالإحراق والتدمير، والسرقة والعدوان، وهؤلاء نمط من المفسدين في الأرض الذين لا يأمنهم الناس علي دمائهم ولا علي أموالهم ولا علي أعراضهم لأنهم ليسوا مؤمنين، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس عل دمائهم وأموالهم وأعراضهم«. وفي مقابل هذا ظهر الوجه الإيجابي الوفي المخلص من أبناء مصر الشرفاء، ومن شباب مصر الأوفياء، الذين قاموا بحراسة الوطن وتركوا مضاجعهم ومنازلهم وانطلقوا يحرسون الشارع المصري ويدافعون عن أبناء المجتمع فنظموا بأنفسهم حركة المرور، وكانوا عيوناً ساهرة في حراسة المجتمع من الظالمين والمجرمين، ومع أنهم ليس معهم إمكانات ولكنهم بالأمور الميسرة لهم وبفضل الله تعالي وفضل إخلاصهم تمكنوا من حراسة المجتمع ومن التعاون مع رجال الأمن وأبناء القوات المسلحة، وهكذا تُظهر الشدائد المعادن الأصيلة وتفرز المخلصين من غيرهم وبالشدائد عرفنا العدو من الصديق، والمخلص من المنافق. جزي الله الشدائد كل خير ولو أدّت إلي حرج وضيق وما مدحي لها حباً ولكن عرفتُ بها عدوي من صديقي وإن واجبنا في هذه المرحلة يتمثل فيما يأتي: أولاً: أن نتوب إلي الله من الذنوب والمعاصي وأن نرجع إليه، وأن ندعوه بإخلاص، لأنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولا يُكشَف إلا بالتوبة النصوح والرجوع إلي الله تعالي. ثانياً: أن نتعاون فيما بيننا علي أن نأخذ علي أيدي الظالمين والمخربين وأن نردعهم عن إفسادهم، حتي نؤمّن الوطن فإنهم حين يحرقون الوطن ويخربون فيه يعُم بلاؤهم الجميع، كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مرّوا علي من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً إن أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعاً« ولقد كان لشباب مصر موقفه المشرف حين وقفوا في الشوارع ليحموا الناس والمنازل من سطو المخربين والمجرمين وظهر في هذه الشدة معدنهم الأصيل. ثالثاً: علي المجتمع بكل المستويات أن يأخذوا حذرهم وأن يستمر المواطنون في أخذ حذرهم، كما قال الله تعالي: »يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم« وعليهم أن يوحدوا صفوفهم وأن يتناصحوا فيما بينهم وبين غيرهم كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »إن الله تعالي يرضي لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً فيرضي لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال« رواه مسلم. رابعاً: علي أبناء الوطن التثبت وعدم الاستجابة إلي الشائعات المطلقة التي يروّج لها أهل الشغب وأصحاب الأهواء المشبوهة، وعلي من يسمع بشائعة ألا يصدقها بمجرد سماعها إلا بعد التثبت منها كما قال الله سبحانه وتعالي: »وإذا جاءكم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم«. وقال الله سبحانه وتعالي: »يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين«. خامساً: أن نتواصي بالحق وبالصبر، وبالعدل والمساواة ورفع كل أسباب المعاناة التي يستثمرها أصحاب الأهواء المشبوهة. وندعو الله تعالي أن يحرس بعنايته مصرنا الغالية من كل سوء، وأن يجعل الله مصر سخاء رخاء آمنة مستقرة وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وَوَلِّ أمورنا خيارنا يا رب العالمين.