خلال جولته الرابعة في أفريقيا احتفي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالقارة التي قال عنها إنها تتغير لكن يبدو أن أوباما لم يشاهد أرض أجداده جيدا. فإذا كان أوباما قد تحدث عن قارة جديدة تخلق المزيد من فرص العمل التي توفر الأجر الجيد والظروف الآمنة للعاملين فيها فإنه في الحقيقة وباستثناء عدد قليل من المشروعات ذات التكنولوجيا العالية في كينيا ومصنع للاغذية في إثيوبيا التابع لبرنامج إطعام المستقبل الذي تتبناه الحكومة الأمريكية.. باستثناء هذه المشروعات التي زارها أوباما فإنه لا يوجد الكثير من الأفارقة الذين يعملون في وظائف حديثة عالية الإنتاجية. فبعد 20 عاما من تحقيق ناتج محلي إجمالي متماسك مازالت الاقتصاديات الأفريقية تخلق عددا قليلا جدا من الوظائف ولا يخلق العامل من خلالها إنتاجية عالية بما يكفي لتوفير دخل مرتفع وطريق للخروج من دائرة الفقر. ويظل الأمر المقلق أن النمو المتسارع يخلق عددا أقل من الوظائف فمثلا إثيوبيا وكينيا اللتين زارهما أوباما, هما من بين دول المنطقة الأقل نجاحا في تحويل النمو الاقتصادي إلي نمو في عدد الوظائف. ومن بين حقائق التنمية الاقتصادية الثابتة أنه في الدول الفقيرة مثل إثيوبيا وكينيا عادة ما يتحول العمال من الزراعة إلي القطاعات عالية الإنتاجية وهو أمر جيد بالنسبة للنمو الاقتصادي وبالنسبة للعمال أنفسهم فمثلا في آسيا انخفضت معدلات الفقر بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية وتم إنقاذ ملايين الأسر من دوامات الفقر من خلال التوسع السريع في عمليات التصنيع. أما في أفريقيا فإن مثل هذا التحول الهيكلي ساهم بصورة قليلة جدا في تحقيق النمو الاقتصادي وفي خفض معدلات الفقر. ومع بداية القرن ال21 فإن نسبة كبيرة من العمال الأفارقة وجدوا أنفسهم عالقين في مجالات عمل ذات انتاجية منخفضة وأجور منخفضة أيضا. ومنذ ذلك الوقت فإن هيكل الاقتصاد بدأ يتغير لكن بطريقة مختلفة فأربعة من بين خمسة عمال يتركون الزراعة يجدون وظائف في مجالات الخدمات مثل التجارة والتوزيع وهذه الوظائف ليست ذات التكنولوجيا العالية التي كان الرئيس الأمريكي يحتفي بها خلال زيارته لكينيا وإثيوبيا. فما يحدث فعليا هو التحول من الوظائف ذات الإنتاجية المنخفضة إلي وظائف ذات إنتاجية أعلي هامشيا في الأسواق أو الأكشاك أو الأرصفة ومعظم هذه المشروعات الأسرية يديرها مالك واحد وأحيانا بمساعدة بعض أفراد الأسرة. وفي عام 2011 قالت منظمة العمل الدولية إن أكثر من 80% من العاملين في أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون تحت خط الفقر وهي نسبة تفوق المعدلات العالمية التي تقل عن 40% وليست مصادفة أن 80% من العاملين في هذه المنطقة يعملون إما في الزراعة أو في مجال الخدمات. وفي بقية العالم فإن القطاع الصناعي هو المكان الأول الذي ينتقل العمال من خلاله في مسار التحول الهيكلي فهو قطاع ذات إنتاجية أعلي ويستطيع أن يستوعب عددا كبيرا من العمال. وعلي الرغم من الإمكانات التي تقدمها الصناعة فإنها ليست جزءا من قصة نجاح في أفريقيا ففي عام 2012 كان متوسط مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء 10% وهي نسبة لم تتغير منذ السبعينات في حين أن مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي في دول مثل كمبوديا وفيتنام - وهي دول كانت قبل عقد من الزمان تشبه إلي حد كبير إثيوبيا وكينيا في ظروفها الاقتصادية- بلغت ما بين 20 و24 %. وسواء من منظور خلق الوظائف أو خفض معدلات الفقر أو تحقيق نمو اقتصادي مستمر فإن هذا الفشل في التحول للتصنيع يعد سببا للقلق كان يجب أن يتحدث عنه أوباما خلال جولته وهو ما لم يحدث. بدلا من ذلك سمعنا مجددا نفس التصريحات المعتادة مثل «أفريقيا تمضي قدما.. أفريقيا من المناطق الأسرع نموا في العالم.. سكان أفريقيا يتحركون بعيدا عن الفقر.. الدخول ترتفع.. الطبقي الوسطي تنمو...». أخيرا فإنه من المؤكد أن أفريقيا تحتاج أكثر مما أوصي به الرئيس الأمريكي من «تحقيق الشفافية وسيادة القانون ومكافحة الفساد وتقديم التسهيلات للمشروعات»..