الشباب العربي غاضب.. وعلينا نحن الجيل الذي تجاوز مرحلة الشباب ألا ننظر إليه بعين التمرد.. فقد كنا شبابا مثلهم.. وكنا غاضبين دائما.. وكنا نغضب كثيرا من أمور أهون كثيرا مما يغضب منه شبابنا اليوم. لا أتحدث عن الشباب في مصر وحدها.. بل في كل بلد عربي تقريبا.. لأن الأمة العربية معظمها من الشباب.. زدنا أكثر من مائة مليون في ثلاثين سنة.. ومشاكل المائتي مليون في السبعينات وبداية الثمانينات.. تتضاءل كثيرا امام مشاكل ثلاثمائة مليون الآن. لذلك تجد معظم هؤلاء الشباب غير راضين عن اوضاعهم.. واوضاع بلادهم.. في وقت تراجعت فيه الامة العربية كثيرا - ولا أقول تخلفت - عن دول كثيرة في العالم. يكفي ان اقول لك ان الناتج القومي العربي مجتمع يعادل الناتج القومي لدولة واحدة مثل اسبانيا.. ولا أقول دول أخري كثيرة سكانها واحد علي عشرة من سكان المنطقة العربية. علينا اذن ان نتفهم اوضاع الشباب.. ودوافعهم ورغباتهم. علينا ايضا ان نتفهم ان لهم لغة مختلفة وطريقة تفكير مختلفة واحلاما مختلفة. علينا ايضا ان نتفهم ان مؤثرات خارجية وداخلية تشكل هؤلاء الشباب.. ولم يعد دورنا كاباء هو نفس الدور الذي كان اباؤنا يقومون به.. واذا كانوا هم غاضبين.. فيجب ألا نعفي انفسنا من المسئولية عن وصولهم الي هذا الحد من الغضب.. ويجب ايضا ألا نقف امامهم موقف الواعظ الناصح.. فهم يريدون ان يروا افعالا.. ولايسمعوا كلاما.. فقد شبعوا كلاما. مشكلة الشباب - في كل جيل - انهم يبحثون عن قدوة.. وقد ينخدعون احيانا فيمن يستثمر غضبهم وطاقاتهم ويحولها إلي طاقة مدمرة بدلا من يكونوا طاقة بناءة. وقد لايجدون القدوة العاقلة التي يبحثون عنها.. فيتجهون الي من يخطف عقولهم بالكلمة الحلوة.. أو من يبشرهم بالخير كله بكلمات تحمل كل معاني التعصب فيخرجون عن الخط وقد لانلحق بهم.. وهناك من يري قدوته في لاعب كرة.. أو أحد نجوم الغناء فينضمون إلي جماعة محبيه وينظمون التجمعات المتعصبة التي لاتري إلا ناديها ودينها ونجمها المحبوب. وفي كل وطن عربي هناك من يتربص بهؤلاء الشباب ويرصد تحركاتهم.. ويحاولون توجيههم لتبدأ الموجة التي يركبونها بعد ذلك.. وهذا في حد ذاته كارثة.. لاننا يمكن ان نحتمل شبابا غاضبا.. ويمكن لأي دولة ان تحتوي شبابها الغاضب.. ولكننا لايمكننا تعقب من يعبث بعقولهم ويحولها إلي خراب.. لان في هذا خراب للوطن كله. اليأس ليس من صفات الشباب.. ولكن هناك من يحاول ان يجعلوا من شبابنا شبابا يائسا.. هناك قوي خفية وظاهرة في الداخل ومن الخارج.. تضع الشباب العربي في اجندتها الرئيسية.. يعملون علي ان تتحول آلة البناء الي ماكينة هدم ودمار.. وطاقة محسوبة علي اوطانها وليست محسوبة لها. الشباب العربي مستهدف.. نحن نري ذلك ونعرفه.. ولانعمل شيئا.. نكتفي بأن نقدم له ما يغضبه اكثر ونسحب منه الأمل.. هناك من يحقنه بالمخدرات.. والافكار التي هي أقوي وأشرس من المخدرات.. ونحن نكتفي بأن نقول له: عيب .. اسكت يا ولد. كانت مظاهرات الثلاثاء مظهرا حضاريا من الحكومة والأمن أولا.. ثم كانت مظهرا حضاريا أيضا ممن شاركوا فيها من الشباب.. وكنت اتمني ألا يركب موجتها بعض الخارجين عن الشرعية والقانون.. وكنت أتمني ألا تنتهي بنهاية مأساوية لبعض الشباب.. فهم منا.. من شبابنا.. الذين يجب علينا أن نعمل علي تحقيق أحلامه.