د. حاتم فى أحد لقاءاته مع الرئيس السادات في جلسة أخري مع د حاتم سألته عن علاقته بالرئيس السادات.. فقال: عرفت الرئيس السادات منذ كان ضابطاً يرتدي بدلة واحدة ويحرص علي تفصيلها تفصيلاً جيداً، وكل شيء يلمع من البرنيطة وحتي الحذاء مروراً بالزراير والحزام، كلها لامعة، وكان السادات يمشي كالطاووس والعصا تحت إبطه ويمسك بحقيبة جلدية خاوية، فقد كان يحب ان يظهر بمظهر لائق محترم حتي لو كانت الملابس بسيطة ولكنه بعيد ايضاً عن الفخفخة، إذا اتيحت له، وقد لاحظت أنه لم يكن أكولاً، بل كان يقسو علي نفسه ويتبع ريجيماً شديداً لأن عنده القلب، اما الاستراحات الكثيرة التي كان يحب التنقل بينها فهي ملك للدولة، استراحات حكومية لم يأخذها معه ولم يورثها لأحد، والسادات سياسي ووطني وأدي دوراً كبيراً للوطن، ولي الشرف أنني خدمت مصر من خلاله. وقبل ان يتولي السادات رئاسة الجمهورية طلبني بواسطة إحسان عبد القدوس وموسي صبري وقالا: السادات يريدك ضروري.. وسألت لماذا؟ قالا هو بنفسه سيقول لك وحينما قابلت السادات قال لي إنه يريدني ان اشرف علي إدارة مؤسسة «اخبار اليوم» بدلاً منه لأن الرئيس عبد الناصر رشحه لمنصب آخر. وكنت أريد ان أبتعد عن الاضواء ولكن موسي صبري وإحسان قالا لي أنت فاهم صحافة وإعلام وسنستريح للعمل معك بدلاًمن أن يأتوا لنا بضابط يدير «أخبار اليوم» وتجربة الضابط في الصحف فشلت كما تعلم.. ورغم تصميمي علي الاعتذار إلا أن السادات قال لي الرئيس جمال عبد الناصر يريد ان يعينك وزيراً للإعلام ولكنك تعرف الظروف الحالية اللي أنت فاهمها والتكتلات الموجودة ولذلك ستتولي أنت «أخبار اليوم» والجميع مرحبون بك.. فقال لي السادات هذا وعد، وبينما أنا اصافحه قال ليخلي بالك من نفسك ياحاتم فقلت له خلي بالك انت من نفسك.. وضحك.. ولما دارت الأيام وتولي الرئاسة واكتشف مؤامرة للقبض عليه في الإذاعة إذا حاول ان يخاطب الشعب منها ذكرني بهذه الواقعة وقال لي فاكر لما قلت له خلي بالك من نفسك. وحينما كلفني السادات بإعداد الدولة للحرب وأن أكون مسئولاً دستورياً عن هذا العمل كنائب عن الرئيس في مجلس الوزراء، وأن ألقي بيان الحكومة بمجلس الشعب. قال لي السادات: ستتحمل المسئولية كاملة، وأنا اخترتك لأنك رجل عجوز، فضحكت، فسألني: لماذا تضحك؟!.. فقلت يا سيادة الرئيس سيادتك مولود سنة 18 وأنا مولود سنة 18، فقال: شباب يعني.. فقد كان رحمه الله يتمتع بروح الفكاهة، ولكنه كان في نفس الوقت سريع الغضب إذا مس أي انسان كرامة مصر. وقد حملني الجميع المسئولية التي أراها للتعامل داخلياً وإعلامياً مع الاوضاع العسكرية المستجدة، وكنت قد وضعت تخطيطاً شاملاً لما قبل الحرب وأثناءها وبعدها، وقد وضعت في الاعتبار أن الحرب كر وفر، وأنه كما يجب ان تكون لنا سياسة نضعها وقت النصر، فيجب ان تكون لنا سياسة أيضاً نضعها إذا اضطررنا للانسحاب، بحيث أراعي الرأي العام الداخلي، ومبادئ الانتماء لمصر. ويشرفني أن أذكر ان الإعلام المصري قد لعب دوراً مشرفاً في كل مراحل الحرب، وحتي أثناء مباحثات فض الاشتباك، حين تعثرت المفاوضات يوم 24 أكتوبر، فلجأت لأسلوب الحرب النفسية للضغط علي أمريكا وإسرائيل، فطلبت تسريب هذا الخبر، طلب السادات في رسالة شخصية من بريجنيف ارسال قوة سوفيتية الي مصر لفض الاشتباك. وكان هذا الخبر - كما يقول د. حاتم - من أهم أوراق الضغط التي قام بها السادات، وحينما وصلت رسالة السادات إلي بريجنيف أرسلها بواسطة سفيره دوبرنين في واشنطن الي كيسنجر، وقال بريجنيف: إنه نظراً الي أنه تم خرق وقف إطلاق النار، يجب ارسال قوات روسية وأمريكية الي الشرق الاوسط لكي تضمن احترام وقف القتال. وهنا ثار الرئيس الامريكي نيكسون، وقال فيما بعد: إنها كانت اخطر ازمة واجهناها بعد الأزمة الكوبية مع الاتحاد السوفيتي. وأمر القوات الأمريكية بحالة استنفار في كل قواعدها، واضطرت أمريكا الي تخفيف التوتر لتجنب مواجهة عالمية مع الاتحاد السوفيتي. . ويضيف د. حاتم: إنني لم اتحدث عن المفاجأة الاستراتيجية في حرب أكتوبر - وكيف نجحنا في خداع إسرائيل - الا بعد 20 عاماً من حرب أكتوبر وبعد أن تحدث صديقي العزيز د. مصطفي خليل رحمه الله، وبعدما كتبه الإسرائيليون والأمريكيون انفسهم وبعد ان تحدث الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر وما قاله موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي واعترافهم بالنجاح المصري الساحق في خداع إسرائيل.. والحق ما شهد به الأعداء. لقد تخليت عن جميع المناصب بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ولكن قبلت تعيين السادات لي وزيرا للإعلام وفي الحقيقة إنه كان هناك صراع مخيف علي المناصب وهو ما سماه «السادات » بصراع «مراكز القوي» وطلب مني العمل معه كوزير للإعلام، وشعرت بأنني إذا رفضت سأبدو كأنني تخليت عنه، خاصة أنه كان في ذلك الوقت يشك في معظم المحيطين به، ومازلت اتذكر كيف اصطف اكثر من خمسة آلاف موظف علي جانبي شارع «ماسبيرو» لتحيتي عند دخولي مبني التليفزيون بعد عودتي لوزارة الإعلام من جديد وأحمد الله علي إشادة كل دول العالم بالإعلام المصري خلال حرب 1973م. وبعد ذلك توليت لمدة 17 عاماً رئاسة المجالس القومية المتخصصة التي تم تأسيسها مجلس استشاري لرئيس الجمهورية لمساعدته علي اتخاذ القرارات الحاسمة، سواء الخاصة بالأمور الداخلية او الشئون الدولية، الي جانب توليتي لمنصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية لفترة من الوقت بعد الخلاف الذي حدث بين الرئيس السادات والكاتب الصحفي «محمد حسنين هيكل»!