بعد أيام من تخرجي في الجامعة، وصلني خطاب مسجل يطلب مني التوجه لوزارة القوي العاملة لاستلام قرار تعييني بأحد الوزارات. لم أعرف ما هي الوزارة التي كنت قد عينت فيها لانني لم أذهب إلي القوي العاملة ولم أستلم القرار!! كنت أبحث عن طريقي في الصحافة.. وكنت قد تقدمت للعمل بالسلك الدبلوماسي والإذاعة المصرية واختزت الاختبارات التحريرية وأنتظر المقابلات الشخصية. وكنت في نفس الوقت - أدرس السنة التمهيدية للماجستير.. وانتظر أن تستجيب الجامعة لطلب استاذنا الراحل الدكتور عبداللطف حمزة لتقرير قسم الصحافة بجامعة القاهرة لكي أكون معيدا بالجامعة. انتهي كل ذلك حينما استدعاني مصطفي أمين ليسألني عما أفعل وعما أنتويه بعد التخرج. وبعد أن استمع إلي ما سردته في السطور السابقة، قال بهدوء: مكانك هنا في أخبار اليوم.. وقد كان، وبلا أي نقاش آخر من جانبي!! لم أكن يومها قريبا لمصطفي أمين، ولم تكن لي واسطة في الجامعة أو الخارجية أو الإذاعة. كنت ابنا يتيما عاشت أسرته علي ميراث بسيط. ولولا مجانية التعليم الجامعي لما كنت أنا أو أمثالي قد أكملوا تعليمهم، حتي ولو كانوا من المتفوقين!! أقول ذلك وأنا عائد للكتابة في بيتي «الأخبار» بعد غيبة، ومع ضجة أرجو ألا تنتهي كالعادة باللا شيء!! حول حكاية «الوزير والزبال» . لقد استقال وزير العدل أو اقيل، ولكن القضية باقية. الرجل ذهب حتي يبعد المسئولية عن الحكومة، لكن الحقيقة اسوأ مما قاله!! والقصة لا تتعلق بابن الزبال وحده بل بأبناء الفلاحين والعمال والغلابة في هذا الوطن الذين يتم إبعادهم عن العمل بالقضاء استنادا إلي اختراع لطيف أسموه «عدم اللياقة الاجتماعية»!! والقصة لا تتعلق أيضا بالقضاء وحده، بل تكاد تتحول إلي سلوك عام في المجتمع بعد أن أصبح «توريث الوظائف» هو الأساس، وبعد أن اختفي مبدأ «عدم تعيين الأقارب من الدرجة الأولي»، الذي كان يحكم هيئات ومؤسسات الدولة، لتحل محله قاعدة «أولوية» التعيين لأبناء العاملين!! حكاية «الوزير والزبال» فتحت ملفا لا ينبغي أن يغلق قبل التعامل معه بجدية تقضي علي الفساد ومخالفة الدستور والقانون من خلال «توريث الوظائف» . خطوة أخري لابد منها وهي إصدار قانون تكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المواطنين الجاهز لدي المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ سنوات، والذي لم يصدر حتي الآن، لأن حزب «الوزير والزبال» يترصد له، ولأن الثورة التي قضت علي توريث الحكم لم تنجح حتي في الآن القضاء علي توريث الوظائف ومعه توريث الفقر لأبناء الفقراء، وتوريث مصر لحزب الفساد الذي احترف سرقة الثورات من أصحابها.. فهل نتركهم يفعلون؟!