راودني أكثر من عنوان لهذا المقال.. كان الاختيار الأول هو « مطلوب محاكمة وزير العدل» ثم «وزير العدل ينتهك الدستور».. و»إقالة هذا الوزير لا تكفي».. ولكن بعد التفكير الهاديء و»إقالة» الوزير، وقع اختياري علي العنوان أعلاه.. في البداية يجب أن نشكر الوزير لأنه نوّر محكمة الشعب والرأي العام وكشف عن شعور متأصل بالعنصرية والتميّز لدي قطاع لا بأس به من قيادات الهيئة القضائية تحوّل بمرور الزمن إلي عقدة مستعصية تتطلب علاجاً فورياً وجاداً لإنقاذ محراب القضاء من عنصرية بعض القضاة!!.. ما نطق به الوزير ردده قبله قضاة بارزون ولم يحاسبهم أحد أو يحاكمهم لانتهاك الدستور.. رئيس نادي القضاة نفسه أهان منتقدي التوريث قائلاً «مَن يهاجم أبناء القُضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يرفضون تعيينهم وستخيب آمالهم.. ولا توجد قوة في مصر تستطيع وقف هذا الزحف المقدس»!!.. وقبل هذا الكلام وبعده ترددت تصريحات وصدرت قرارات تؤكد أن هناك خللاً كارثياً في النظر إلي عامة الناس وفقراء هذا الشعب.. وهو ما أكده الوزير المُقال مؤكِداً «ما قلته مصمم عليه ومقتنع به لأنه الواقع».. إذاً لم تكن زلة لسان كما قيل وإنما هو الواقع الشائن ونعرة العنصرية التي لاتزال باقية تتحدانا وتُخرِج لنا لسانها رغم رحيل الوزير !!.. فالمشكلة ليست في شخص ولكن في أفكار نخبة رجعية لا تؤمن بحقوق المواطنة والمساواة والأرجح أن الوزير الجديد يحمل نفس أفكار سلفه لأن المنظومة برمتها في حاجة لإصلاح جذري.. فعندما يُحرم العشرات من خريجي كليات الحقوق المتفوقين من الإلتحاق بالسلك القضائي لأنهم «غير لائقين إجتماعياً» إذ أنهم ويا للهول من أبناء العمال والفلاحين!!.. أو لأن أولياء أمورهم ليسوا من ذوي المؤهلات العليا، نكون إزاء جريمة تمييز وعدوان فاضح علي الدستور الذي يجرم التمييز وتحقير أي فئة من فئات الشعب !!.. وإذا كان الوزير العنصري قد ذهب بعد ثورة الرأي العام ضده فإن آفة العنصرية باقية وهي ليست في القضاء فقط ولكنها سرطان أصاب كل فئات ومفاصل المجتمع وعلينا أن نواصل ثورة الغضب حتي نقتلعها من الجذور.. نحن مجتمع عنصري بامتياز وعلينا الإقرار بذلك!!.. ولا يفوتني هنا تسجيل سعادتي بنجاح حملة وسائل التواصل الإجتماعي في إقالة الوزير العنصري وأرجو أن تتواصل ثورة الغضب حتي نستأصل العنصرية ممن حولنا ومن أنفسنا قبل ذلك..نعم.. هو انتصار صغير في معركة صعبة ولكنه كشف عن قوة الرأي العام وقدرته علي التغيير وعلينا أن نبني علي ذلك ونعززه.. ويبقي أن نوجه تحية واجبة لرجال يصرون علي إعلاء قيم العدل والمساواة مثل المستشار خالد نجاح، الذي استنكر تصريحات الوزير مضيفاً «انا ابويا كان موظفا.... وكان يمتلك صالون حلاقة بجانب وظيفته وهذا فخر لي، كما أن والد رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند كان يمتلك صالون حلاقة أيضاً في قريته».. ويجب ألا ننسي فضل قضاة تيار الإستقلال بزعامة المستشار الجليل زكريا عبد العزيز المُهدد الآن بالإحالة للصلاحية، لأنهم وضعوا أول لَبِنَة لإنهاء كارثة التوريث في القضاء عندما عدلوا القانون واستحدثوا شرط الحصول علي تقدير جيد كحد أدني للإلتحاق بالنيابة العامة.. فضلاً عن مطالبتهم بإنهاء انتدابات القضاة، الباب الملكي للمحسوبية والفساد، كما كانوا طليعة الحراك الثوري الذي تُوّج بثورة 25 يناير.. ويبدو أنهم يدفعون الآن ثمن وقوفهم مع الحق ومع الشعب!!..