كم أنا مشتاق يارب أن تغسل نفسي بماء محبتك ان كان لي غربة اضافية في العام الجديد، وان تمنحني سلاما وصبرا علي تحمل الغربة الدنياوية الكثيرون منا أدركوا في وقت مبكر تفاهة العالم المادي الذي نعيش فيه،تأملوا حياة الصديقين والقديسين والمتصوفين والزاهدين والمتعبدين الذين باعوا العالم بكل مغرياته وشهواته واشتروا أنفسهم بالطهارة والنقاء الذي تتطلبه الحياة مع الله،أدركوا جميعا أن الإنسان المخلوق من تراب مصيره مهما طال الأجل إلي نفس التراب، أدركوا أن الجسد هو موطيء الشهوات التي تصارع الروح لتجذبها كلما سمت، وكلما علت، إلي أسفل لتسيطر عليها وتجعلها ذليلة للملذات والماديات الزائلة، ادركوا أننا غرباء علي الأرض، وستأتي اللحظة التي نغادرها لعالم افضل أعده الله للأتقياء والأنقياء والصالحين. لهذا كان داوود النبي يقول في المزمور» غريب أنا يارب علي الأرض فلا تخفي عني وصاياك «، من المستبعد أن يكون داوود النبي لا يعرف وصايا الله حتي يطلب منه ألا يخفيها عنه، أعتقد أن داوود كان يطلب من خالق الكون أن لا يخفي عنه الحكمة التي يستطيع بها مجابهة غربته علي الأرض، بالحكمة يسلم الإنسان من شرور نفسه الأمارة بالسوء، بالحكمة تسمو الروح وتعلو علي شهوات الجسد، بالحكمة يستطيع الإنسان أن يبصر بالبصيرة الظلمة من النور، والخير من الشر، والحق من الباطل، والجمال من القبح، بالحكمة يعف اللسان عن المذمة والمغبة والانزلاق بالعصبية في اخطاء الكلام، بالحكمة يتدبر العقل الفكرة ويخرجها علي أحسن ما تكون، بالحكمة تطمئن النفس بأن يد الخالق هي السند والعضد وسور الحماية من وساوس الشيطان، ومكائده التي لا تنتهي أو تتوقف، وهي مكائد مغرية لعباد الشهوات. كلما ضاقت نفسي من نفسي ومن المحيطين في لحظات الضيق، أولي وجهي نحو السماء أناجي ربي قائلا « غريب انا يارب فلا تخفي عني وصاياك، اشتهت نفسي إلي الجلوس اليك، معك يحلو الحوار، فأنت يارب نعم المحب، ونعم المستمع لكل آنين، أنت من تشفي النفس قبل البدن، أنت من تزيل الكرب وتمسح بيد العطف مواجع القلوب، ضع يارب حارسا لفمي وبابا حصينا لشفتي، هبني حكمة ونعمة ومحبة، لكي أعرف متي أصمت ومتي أتكلم، فللصمت حكمة، وللكلام حكمة ايضا، وبين الصمت والكلام يتربص بنا الشيطان، ليجعلنا نخطأ في حقك عندما نخطأ في حق الآخرين «. كلما ضاقت نفسي من نفسي وكثرة اوجاعي، أجدك يارب أقرب لي من حبل الوريد، نعمتك تتحرك في داخلي فتخفف عني ما يعجز عنه أقرب الناس لي، ترسل لي في وجه حفيدتي ابتسامة وضحكة مجلجلة تنسيني العالم بكل ما فيه، يدها تجذب يدي لنلعب سويا علي الأرض فتعيد لي براءة طفولتي التي ولت منذ زمن بعيد، ادرك لحظتها يارب انك لم تخقلني عبثا، أنما دفعت بي للحياة الزائلة مثل غيري من جميع المخلوقات لنتواصل ونتناسل ونصارع ونتصارع، ونلهث وراء المتاعب لندرك في لحظات التأمل «كم نحن بلهاء»، نرتكب من الآثام ما يمزق ضحكات الأطفال في الفضاء، وما يقتل فيهم البراءة والنقاء، لا ندرك ما ادركه القديسون والصالحون والاتقياء إلا بعد فوات الأوان، كم أنا مشتاق يارب أن تغسل نفسي بماء محبتك ان كان لي غربة اضافية في العام الجديد، وان تمنحني سلاما وصبرا علي تحمل الغربة الدنياوية بالحكمة التي تضيء القلوب وتنير العقول وتهذب النفوس بالانصياع والتواضع، ادعوك يارب في الأيام الاخيرة من عام الاوجاع أن تعفو عني وترحمني، وتعفو وترحم كل المحبين والمسيئين لأن رحمتك تعيد كل تائه إلي طريق محبتك.