الجمعة 26 اكتوبر 73.. منذ يومين وموقع «كبريت» لاتوجد به نقطة ماء واحدة.. يسمع النقيب جابر الشعراوي ضابط الشئون الفنية للكتيبة 603 صيحات عالية خارج الملجأ.. ويري الجندي «عبد النبي» حاملا اناء معدنيا ويقول ماء يا افندم.. هل تتذكر العربة التوباز التي انفجر فيها لغم وجدنا اسفلها حفرة مليئة بالماء العذب ملأنا منه 3 جراكن.. وعندما حاولنا تعميقها اوالحفر بجوارها لم نجد غير الماء المالح.. ويتم توزيع المياه بالتساوي بين المقاتلين لافرق بين ضابط او صف او جندي. لم يكن نقص المياه المشكلة الوحيدة لابطالنا في «كبريت» فغارات العدو دمرت ايضا التعيينات ووسائل الاتصال مع قيادة الجيش الثالث.. ووصل تعيين الفرد نصف كوب ماء ونصف علبة معلبات ونصف باكو بسكويت.. ومع استمرار الحصار ونقص الطعام اصبحوا يقسمون الوجبة الوحدة علي يومين ثم علي ثلاثة حتي وصلوا إلي ستة ايام. ورغم الجوع والعطش ظل ابطالنا متمسكين بمواقعهم بالنقطة الحصينة يصدون غارات العدو ويكبدونه خسائر في معداته وافراده.. فقد وضعوا في ايديهم القنابل وقالوا «نموت.. نموت» ولكن في مقابل كل شهيد منا دبابتين اسرائيليتين.. ويتذكر النقيب شوقي الجوهري اثناء حواري معه عندما زرنا «كبريت» الشهيد «عبد الرازق شامة» الذي كان يخرج بدورية فيصاب بشظية فيعود ليخرج بدورية اخري.. حتي استشهد بغرغرينة نتيجة احدي الشظايا التي دخلت جسده.. ويضيف كان قائد الكتيبة المقدم الشهيد ابراهيم عبد التواب يعطينا الامل في خطبة الجمعة فقد كنا نصلي واخواننا المسيحيون يقفون خلفنا ليحموا ظهورنا. نتيجة لغارات العدو المكثفة وحجم الدمار وانقطاع الاتصالات اعتقدت قيادة الجيش الثالث ان النقطة الحصينة «كبريت» سقطت وعادت مرة ثانية في يد العدو.. وكانت فرحة غامرة للعميد احمد بدوي قائد الفرقة السابعة عندما وصل الملازم «اسامة عبد الله» علي رأس دورية إلي قيادة الجيش وعادت الدورية بجهاز لاسلكي وبعض الامدادات الطبية العاجلة لتبدأ بعد ذلك «رحلات الموت» من سيناء إلي البرالغربي لقناة السويس تحمل الجرحي لمسافة 18 كيلو متر سيرا علي الاقدام وتعود بالامدادات والتي نفذها ابطالنا 10 مرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر وتعرضوا خلالها لهجمات واشتباكات مع العدو. كلما عدت إلي قراءة اوراقي عن ملحمة «كبريت» ازداد يقينا بان المقاتل المصري لايعرف المستحيل.. فكما ازال الساتر الترابي بمدافع المياه وواجه الدبابة بجسده دون خوف تغلب علي ندرة المياه بفكرة «التقطير».. فعندما اشتد العطش ابتكر الملازم «صبري هيكل» فكرة بسيطة لتحلية المياه..اخذ تنك السولار لدبابة محطمة ووضع فيه المياه المالحة من قناة السويس واشعل اسفلها النار.. وبعد 12 ساعة حصل علي نصف لتر مياه عذبة.. فتم تعميم الفكرة.. ووصل تعيين الفرد من المياه إلي زمزمية في اليوم.