الالوان تمثل حالة خاصة للانسان عموما وترتبط دائما بافراحه واحزانه. وقديما كان يستعملها في مختلف امور حياته بمدلولاتها الطبقية والاجتماعية وكانت تتميز بعض الالوان بالعنصرية الشديدة فلم يكن من المسموح ارتداء الملابس المصبوغة ببعض الالوان المقصورة علي النبلاء والامراء والاغنياء.. ويتم محاكمة فقراء القري والمدن وعامة الشعب في حالة ارتداء ملابس مخالفة لهذه القاعدة العنصرية بحسبان ان الالوان التي يسمح لهم باستعمالها هي الالوان البنية والرمادية التي تناسب الاطار العام لحياتهم. اللون الابيض هو اللون المحبب للانسان عموما فهو يرسم السعادة علي وجهه ويعطر حياته وتفوح منه رائحة المستقبل المشرق. ويشعر الانسان بالتفاؤل اذا وقع نظره عليه في الصباح وينام في هدوء اذا سكن في وجدانه اثناء نومه وفي احلامه. واللون الاسود يصيب الانسان بالهم والنكد ويشعره بالكآبة ويرتبط هذا اللون بالانسان باللحظات غير السعيدة فهو يمثل الفراق والحوادث والكوارث والموت ويصيب الانسان بالتشاؤم اذا وقع نظره عليه في الصباح ويعكر نومه اذا اقترن به في المساء. ولا نضيف لمعلومات القراء كثيرا اذا قلنا ان اي حكومة في اي دولة من دول العالم المتقدم او النامي تستعين باللون الابيض في اقناع عامة الشعب بانجازاتها وترتدي هذا اللون اثناء الحديث عن الحاضر والمستقبل ومن الطبيعي ان تسير حكومتنا في هذا الاتجاه وتحاول تقديم افضل مالديها من خطط وبرامج وافكار وتسعي الي عرض بضاعتها بصورة جيدة وما قدمته للشعب خلال فترة توليها الامور بطريقة فيها الكثير من التفاؤل والامل. وفي نفس الوقت من حق المعارضة ان تقدم الجانب المظلم الذي يعرقل مسيرة الاصلاح من وجهة نظرها وتعلن عن قدرتها علي المنافسة اذا قدر لها تولي هذا الامر بما تملكه من كوادر فنية وادارية وشعبية وتبرهن علي ضعف الاداء الحكومي في بعض القطاعات وتضع روشتة علاجية لجميع السلبيات التي تضرب المرافق العامة. ولا نتجاوز الحقيقة اكثر من اللازم اذا قلنا ان ما سردناه في هذا الشأن بعيد كل البعد عما يحدث في المجتمع المصري الان، فالوضع الحالي لا يصب في مصلحة هذا الوطن. فالاهانة والتجريح والاساءة للاخرين والاتهامات المتبادلة هي اللغة السائدة في التعامل مع جميع ملفات قضايانا الملتهبة ومشاكلنا الداخلية.. وشهوة الكلام في الفاضي والمليان هي الوقود الذي يشعل الفتن ويزيد حدة الخلافات والاحتقان.. ولا تستطيع مهما بلغت قوة تركيزك في متابعة البرامج الحوارية السياسية ان تعرف الحقيقة الكاملة.. فالمذيع يسعي الي تأكيد ذاته واستعراض عضلاته وفهمه للموضوع ولا يترك الفرصة للضيوف لابداء وجهة نظرهم الا خلال الفاصل. والضيوف يهاجمون ويتوعدون ويشهرون القضايا الشخصية التي لا تهم اصحابها. وصدق الحكيم الذي قال. تستغرق مناقشة المسائل التافهة وقتا طويلا لان بعضنا يعرف عنها اكثر مما يعرف عن المسائل المهمة. الحقيقة الغائبة التي اود التركيز عليها هي المصلحة العامة وقد ينسي البعض في ظل الخلافات والمنازعات ان مصلحة هذا الوطن القائمة علي تحقيق النفع العام والكامل للشعب في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحتم النظر الي المصلحة العامة بمفهومه الشامل والتفرغ للقضايا الحيوية والملفات الخارجية التي تؤثر علي اوضاعنا السياسية والاقتصادية وعلاج مشاكل البسطاء التي تحتاج الي تكاتف الحكومة والمعارضة وجميع فئات الشعب، ولن يتحقق ذلك الا بالتوحد والانصهار في بوتقه الوطن والابتعاد عن المصالح الشخصية.. فالعالم يتقدم ويتطور ونحن مازلنا ننظر تحت اقدامنا. والدليل علي ذلك ان بعض الدول صغيرة الحجم بدأت تحصد نتاج ثقافة ارساء تغليب المصلحة العامة واصبحت تنافس الدول المتقدمة في احتلال المراكز المتميزة علي المستوي الاقتصادي والثقافي والرياضي.