أحمد غراب تكمن الازمة السياسية في معظم الدول العربية والاسلامية في الممارسات الحرفية والشكلية الخاطئة للشوري والديمقراطية بعيداعن جوهر الديمقراطية والشوري في الاسلام لذلك سمعنا مقولات ترسخ الفهم غير السوي للمغزي من الانتخابات مثل " غزوة الصناديق" ولكننا للاسف لم نسمع من احد مشايخنا وعلمائنا الكرام منذ ما يقرب من قرن وحتي يومنا هذا تعبيرا مثل " فقه الانتخابات ". ليس من الفقه في شيء ان احشد الناس للانتخابات دون إن يكون لديهم وعي وادراك لكيفية الاختيار ولا بالاسس التي يقوم عليها بحجة إن الانتخاب شهادة ومن يكتمها فهو آثم قلبه ولا ادري لماذا لايحذرنا علماؤنا الافاضل من ان الذي يشهد علي شيء لا يعلمه يعتبر كشاهد الزور والافقه والاولي إن نعينه علي التخلص من الفقر والمرض ومواجهة الامية الهجائية والثقافية وتوفير التوعية السياسية التي تعينه علي الشهادة وبعدها نخوفه من عقوبة كتمان الشهادة. الخلط المشوه للمفاهيم بين الخطاب الديني والممارسات السياسية هو اخطر معوقات النهضة بكثير من المجتمعات العربية والاسلامية فنحن احوج مانكون إلي فض الاشتباك بينهما بنوع جديد من الفقه وليكن تحت مسمي " فقه الانتخابات " حتي تكون شرعية الصناديق معبرة تعبيرا صادقا ودقيقا عن ارادة الغالبية الفعلية بهذه المجتمعات. ومن باب الاجتهاد المنشود والمعاونة علي البر والتقوي اتمني من فقهائنا ان يوضحوا لنا ضوابط وكيفية ممارسة الشوري والديمقراطية الفعلية بمجتمعاتنا المنكوبة بالامية الهجائية والثقافية والفقر والمرض ناهيك عن خطاب ديني عليل وكسيح بعدما اعتلاه اشباه الدعاة والمتفيهقون الذين لايجيدون الا خلط الاوراق وتشويه المفاهيم الدينية . اصبح كثيرون من دعاتنا المعاصرين في عزلة شبه تامة عن مشكلات مجتمعهم وهمومه فغاب بسببهم فقه الاولويات والمقاصد والمآلات عن حياتنا واختلط الحابل بالنابل وصرنا لانفرق بين ماهو سياسي وما هو ديني واضحي هؤلاء الدعاة مثل علماء الكلام الذين تركوا المجتمع العربي يموج ويتخلف بصراعات دموية واخذوا يتجادلون حول: هل القرآن الكريم مخلوق ام ازلي؟!! إذا كنا جادين في السير نحو التنمية الحقيقية فليس امامنا الا إن نعي فقه الانتخابات ونطبقه. فتاوي لتخريب الاوطان ان يفتي الانسان فيما لايعلم فهو بلا شك يدخل نفسه من اوسع الابواب إلي جحيمي الدنيا والاخرة لذلك حذرنا ابن القيم من خطر فوضي الفتاوي علي الافراد والمجتمعات في كتابه العظيم " إعلام الموقعين عن رب العالمين ". المتابع للمشهد العربي مؤخرا يجده اشبه بمكلمة يشارك فيها كثيرون بلا وعي بالفتوي في الدين وفي كل شيء دونما علم او خبرة منشغلين بهذه الظاهرة المدمرة عن العمل والانتاج للنهضة بمجتمعاتهم واوطانهم المنكوب معظمها بالاستقطاب والاحتقان السياسي احيانا والصراع الدموي احيانا اخري. قامت الدنيا ولم تقعد في المراكز والمؤسسات الاسلامية بالدول الاوروبية عندما افتي - المجلس الاوروبي للافتاء والبحوث الكائن بمدينة بلنسيه الاسبانية - بجواز بقاء الاوروبية التي تعلن اسلامها في بيت زوجها غير المسلم بشرط عدم تمتعه بالحقوق الزوجية وذلك للحفاظ علي كيان الاسرة وتربية الابناء . ورغم ان الفتوي خالفت رأي جمهور الفقهاء القدامي والمحدثين فانها قدمت حجة فقهية قديمة ذكرها ابن القيم في كتابه " اهل الذمة " حيث روي ان امرأة جاءت الفاروق عمر بن الخطاب تعلن اسلامها وزوجها غير مسلم فقال: " إن شاءت فارقت وان شاءت اقامت ". وبغض النظر عن اختلافنا او اتتفاقنا حول هذه الفتوي فانها تدخل في باب الاجتهاد الفقهي المعاصر المهموم بمشكلات واقعه الاوروبي اما ما يدعو للرثاء والبكاء في البلاد العربية والاسلامية هو ان الخطاب الديني مازال مختطفا ورهينة في ايدي مدمني الفتوي في اي شيء بغير قراءة او علم في جرأة متناهية علي الدين ومصالح الوطن. اليس عجيبا ان يستفيد الخطاب الديني الاوروبي من تراثنا الفقهي في مواجهة مشكلات وهموم الواقع المعاصر بينما كثير من بلادنا العربية والاسلامية مازالت مغيبة عن تراثها وعن واقعها المليء بما لا يحصي من الكوارث والازمات؟ ! !