ساحل العاج التي يصر أهلها علي ضرورة تسميتها باسم كوت ديفوار حتي عندما تترجم إلي العربية، تمر الآن بأزمة عصيبة قد تتطور إلي حرب أهلية بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الحسن واتارا بأغلبية مريحة، ولكن الرئيس المنتهية ولايته رولاند باجبو يصر علي أنه الفائز ويعتمد علي أن إحدي الهيئات ابطلت انتخابات عدة ولايات بالكامل مما جعله يفوز، وهو قول تعارضه كل الأوسط، واصبح هناك وضع غريب في البلاد لها رئيسان وحكومتان، المجتمع الدولي لأول مرة في تاريخ افريقيا يجمع علي عدم الاعتراف بشرعية بابجبو ويدعوه إلي التنحي وتسليم الرئاسة إلي واتارا، ولكنه يرفض ويصر علي انه سيتحدي الجميع. المجتمع الدولي لا يشمل فقط أعضاء مجلس الأمن ولكن يضم الآن الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي الذي جمد عضوية ساحل العاج في هذه المنظمة الافريقية وكذلك المنظمة الاقتصادية لغرب افريقيا التي أوضحت بجلاء ضرورة ذهاب باجبو وحكومته واعترفت رسميا بأن واتارا هو رئيس ساحل العاج، إذن هناك اجماع فريد يتحقق لأول مرة بالنسبة لمشكلة افريقية، حتي فرنسا التي ترتبط بها ساحل العاج بروابط وثيقة أصر رئيسها ساركوزي علي ضرورة تنحي باجبو خلال أيام. ويرجع إصرار باجبو علي الاستمرار في منصبه وتحدي المجتمع الدولي وغالبية سكان البلاد إلي تمتعه - ولو مؤقتا- بتأييد الجيش والشرطة وسيطرته علي وسائل الاعلام واسكات الصحف الناطقة بلسان خصمة واتارا وإثارته النعرات القبلية وهي للأسف سمة منتشرة في الكثير من الدول الأفريقية. الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي ومنظمات أخري راقبت الانتخابات وشهدت وأقرت ما أعلنت عنه اللجنة العليا للانتخابات بفوز الحسن واتارا الذي شغل منصب رئيس الوزراء مرتين من قبل احداهما مع الرئيس المنتهية ولايته، وهو شخص دمث الأخلاق وله خبرات اقتصادية عالية فقد كان مديرا لصندوق النقد الدولي ويزمع ادخال اصلاحات اقتصادية جذرية علي بلاده التي كانت في الماضي الدولة الاقتصادية الاولي في غرب افريقيا ومشهورة بزراعة الكاكاو والبن وتوجد بها مقرات لكبري الشركات الدولية التي اعتبرت العاصمة ابيدجان مكانا نموذجيا لنشاطها في اجزاء كبيرة من القارة الافريقية حيث تتمتع بمصارف متقدمة وشبكة اتصالات متطورة إلخ.. مما فاقم الوضع طلب الرئيس المنتهية ولايته مغادرة قوات الأممالمتحدة والقوات الفرنسية البلاد فورا وهو ما رفضته الأممالمتحدة وقالت فرنسا أن قواتها إذا ما هوجمت ستدافع عن نفسها بكل قوة، قوات الأممالمتحدة هي التي تحرس مقر الحسن واتارا في احد فنادق العاصمة، ويبدو ان باجبو يريد مهاجمة هذا المقر والقبض علي منافسه لاقرار واقع جديد.. يحاول ايضا تعبئة بعض العناصر وخاصة من الجنوب للقيام بمسيرات حاشدة تأييدا له، ولكنه لا يسمح بأي مسيرات لانصار الحسن واتارا وأجبر الجيش علي اطلاق النار عليها مما اسفر عن مقتل وجرح المئات من الاشخاص، بل وقام انصاره - كما ذكرت الأممالمتحدة - باختطاف عدد من أنصار واتارا من منازلهم وإعدامهم. يعتزم مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية علي باجبو وحكومته وأسرته وقادة الجيش، أهم هذه العقوبات عدم السماح له وللقادة العسكريين بزيارة أي دولة ومنع أي قروض أو مساعدات مالية لحكومة باجبو مما قد يؤثر علي ميزانية الحكومة حتي لا تستطيع دفع مرتبات أفراد الجيش الذي سينقلبون عليه. وفضلا عن ذلك فإن جزءا كبيرا من البلاد في الشمال منفصل تماما تقريبا وبه قوات معارضة مسلحة تهدد بالزحف علي العاصمة والاستيلاء عليها إذا لم يتنح باجبو طواعية، نتذكر أن البلاد مرت بحرب أهلية مدمرة في الفترة ما بين 2002 و4002 انهكت اقتصادها الذي كان يعتبر أفضل الاقتصاديات في افريقيا وكان يشار إليه كمثل يجب ان تحذوه الدول الافريقية الأخري. بالرغم من بعض محاولات باجبو القول أنه يسعي إلي التوافق وعلي استعداد لمقابلة غريمه واتارا إلا أنه لا يتوقع ان يستجيبه الأخير بعد ان حرم عدة مرات من الترشح لانتخابات الرئاسة ويدعي أن جذوره غير ايفاورية. يحاول القادة الأفارقة العقلاء الآن اقناع باجبو بالانسحاب طواعية ودون اراقة دماء واقامته في إحدي الدول المجاورة بغرب افريقيا، وهو ما اتوقع حدوثه ولكن بعد فترة فليس امام هذا الاجماع الدولي والافريقي والوطني ألا تراك الحكم بسلاسة ويستطيع ان يقول انه يفعل ذلك لمصلحة البلاد. افريقيا بالذات تخوض هذا التحدي، فهل تستطيع ان تبقي متحدة؟ غالبا نعم، ولكن للأسف هناك بعض الاصوات القليلة التي تحاول الدفاع عن باجبو أو ان تبقي صامته بل وتقترح أن يظل باجبو رئيسا ليصبح واتارا رئيسا للوزراء كما حدث في كينيا عقب النزاع الذي حدث بعد انتخابات الرئاسة ايضا واسفر عن مصرع أكثر من ألف شخص، ولكن هذه الصيغة اصبحت غير مقبولة افريقيا. قد يقول قائل لماذا الاهتمام من جانبنا في مصر بما حدث في ساحل العاج فهي بعيدة عنا، اقول لهم ان هذا البلد هام في افريقيا ولنا علاقات تاريخية معه وكان من أوائل الدول الافريقية التي تبادلنا معه العلاقات الدبلوماسية وتربطنا به علاقات اقتصادية وتجارية لا بأس بها وبه جالية عربية ناجحة جدا، وفوق كل ذلك يهم مصر الاستقرار في القارة الافريقية إذ ان تزايد المشاكل والصراعات في القارة سيؤثر علينا ولو بطريقة غير مباشرة.