كثيرا ما يوشك الإنسان علي بلوغ هدفه نتيجة السعي، والجدية في السعي، وذلك شيء يحمد عليه، اما الذي لايحمد عليه، فهو أنه اذا بلغ الهدف أو قارب علي بلوغ الهدف اطمأن قلبه وبدا له ان يستريح من عناء سعيه، وظن ان من حقه ان يتراخي قليلا، ويمتد هذا التراخي ويمتد، واذا بهذا التراخي يعود به القهقري من حيث بدأ، وربما- وهذا هو الأسوأ- يتراجع إلي ما مادون النقطة التي كان قد بدأ منها. وهذا يظهر بشكل جلي فيمن يعملون »رجيماً غذائياً« لإنقاص أوزانهم، ويبذلون من اجل ذلك اقصي طاقتهم، حتي يبلغوا الوزن الذي كانوا يأملونه أو قريبا منه، ثم يحدث هذا التراخي الذي ذكرته آنفا، إلي أن يعود الواحد منهم إلي سابق عهده، بل وأسوأ مما كان قبل أن يعمل »الرجيم« لماذا؟ لأنه اذا حقق الانسان شيئا كان يسعي اليه أو يتمناه، فهذا شيء، أما المحافظة علي ما حققه الإنسان لنفسه فذلك شيء آخر، يغفل عنه كثير من الناس، اذ يظنون انه مادام قد تحقق لهم ماكانوا يتمنونه فقد انتهي الأمر، ولم يعد مطلوبا منهم شيء »!« وهذا هو الخطأ بعينه.. اذ لابد من ان يستمر الجهد ويتصل حتي لايحدث التراجع، في حين ان الاستمرار علي نفس الوتيرة أسهل بكثير من البدء باتخاذها، لأن التغيير في البداية كان تغييرا في العادات والسلوكيات، وهذا ليس بالأمر اليسير، اما وقد حدث التغيير واصبح عادة، فلم نقلع عنها ونعود إلي ما كنا عليه من قبل؟! لابد أن نحافظ علي النجاح اذا وصلنا اليه، ولانبدده أو نفقده، فالتبديد خسارة كبري، ثم ان النجاح مفروض ان يقودنا إلي نجاح في ميدان آخر أو في اتخاه آخر، وهناك مثل انجليزي يقول »النجاح يخلق النجاح ويقود اليه« فأن ننجح في شيء فهذا يعطينا الحافز إلي نجاحات اخري، لأن النجاح طعمه حلو، بخلاف الفشل، فطعمه مر كالعلقم ، وله تبعاته وتوابعه كالزلزال.. النجاح ينعش الفؤاد، ويغذي الثقة بالنفس، فلم نفرط فيه وننسي ما كابدناه لكي نحصل عليه؟ ونرتضي الفشل فيما نجحنا فيه من قبل، فتحل علينا مرارته، وتضعف ثقتنا في انفسنا، وقد نيأس، ونرتضي الفشل وكأنه قدر مكتوب علينا، مع اننا نحن الذين اتينا به ولم يأتنا من تلقاء نفسه؟ وهكذا بالنسبة للآخرة، فهناك من الناس من يبذلون لآخرتهم مزيدا من الجهد، ويواصلون السعي من اجل دخول الجنة، وبعد ان يتعودوا علي ذلك، مثل ان يقوموا لأداء صلاة الفجر، وتصبح عادة يقومون بها دون تفكير.. ثم تأتي مرحلة يبدأون فيها في التكاسل المرة بعد الاخري، إلي أن يعودوا سيرتهم الأولي قبل ان يتخذوا من اداء صلاة الفجر عادة يأتونها بشكل تلقائي.. ارادة النجاح شيء، وإرادة المحافظة علي النجاح تكملها، وبدونها- اي المحافظة علي النجاح- نظل ندور حول انفسنا، لايتحقق لنا شيء إلا وتخلينا عنه ولم نحافظ عليه، فلا تتخلوا عن النجاح يرحمكم الله ويتم عليكم نعمته..