عندما تابعت البيان الذي ألقاه اسماعيل هنية رئيس حكومة انقلاب غزة الحمساوية المقالة بعد اتفاق المصالحة مع وفد السلطة الفلسطينية لم أجد ما أقوله سوي التمني بأن يكون ما أعلنه صدقا وليس مناورة من مناورات التنظيم الارهابي الاخواني الذي تنتمي إليه حركته. جاء هذا الاعلان بعد اجتماعين جرت وقائعهما في غزة. من المؤكد أن سعي حماس لاجراء هذه الاتصالات وما أسفرت عنها كان دافعه تأثير العزلة التي أصبحت تعيشها شعبيا وحدوديا. كل التقارير تقول إن الحركة قد فقدت قاعدتها الشعبية الفلسطينية نتيجة سياساتها القائمة علي الاستبداد والتنكيل بالقوي الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة. ليس خافيا أن إصرار مصر بعد سقوط الحكم الاخواني علي فرض سيادتها الوطنية علي حدودها مع هذا القطاع كان عنصرا اساسيا ان لم يكن الوحيد في هذه العزلة التي يعيشها الحكم الحمساوي في غزة. كما هو معروف فإن حكومة الارهاب الحمساوي كانت تستمد حياتها ووجودها من آلاف الانفاق غير المشروعة التي تم حفرها تحت اشرافها بين الاراضي الفلسطينية والاراضي المصرية. لابد من الاقرار بأن مسئولية بناء هذه الانفاق واستمرار دورها في انتهاك السيادة المصرية يقع علي عاتق النظام المصري الحاكم ما قبل ثورة 52 يناير. هذه الاختراقات شهدت دعما متعاظما وتأييداً بلا حدود وسوء استخدام علي مدي ال 82 شهرا التي اعقبت هذه الثورة ابان سيطرة وهيمنة جماعة الارهاب الاخوانية. لاجدال ان إقدام حكومة حماس الي التواصل مع الحكومة الفلسطينية الشرعية في رام الله كان محصلة متوقعة لنجاح قواتنا المسلحة في تضييق الخناق عليها بعد تدمير غالبية الانفاق التي كانت مصدر دخل كبير ووسيلة للتهريب والارهاب وممارسة العدوان علي الاراضي والسيادة الوطنية. هذه الانفاق المدُمَرة كانت منفذ مرور للارهابيين والهاربين من مصر وكذلك للبضائع والسيارات المسروقة، كما استخدمها الارهابيون التابعون لما يسمي بقوة القسام العسكرية للمشاركة في جريمة اقتحام السجون المصرية وتهريب قيادات الجماعة المتهمين بالتخابر مع قوي أجنبية بالاضافة الي ممارسة وعمليات القتل ابان ثورة 52 يناير بميدان التحرير. ان مراجعة صادقة لتاريخ هذه الحركة الارهابية تشير الي أن ولادتها قد تمت رغم شعاراتها المزيفة بمباركة اسرائيلية. وان دورها قام علي تمزيق وتقسيم الشعب الفلسطيني لصالح الاحتلال الاسرائيلي. كل الدلائل تؤكد ان الانقلاب الذي قامت به لفصل قطاع غزة عن الوطن الفلسطيني استهدف علي أرض الواقع إضعاف وحدة الشعب الفلسطيني ونضاله ضد هذا الاحتلال. من الطبيعي ان أشعر بالشكوك بشأن ما أعلنه هنية عن أن هدف التحرك نحو الاستجابة لمتطلبات دعم الوجود الفلسطيني لصالح اقامة الدولة الفلسطينية. ان وراء هذه الشكوك تلك التجارب المريرة مع حركة حماس وسعيها الي نقض جميع اتفاقيات لم الشمل الفلسطيني. ولايمكن تفسير موقف تنتياهو المعارض لاي اتفاق بين رام الله وحماس سوي ان عودة حماس الي الصف الفلسطيني يؤكد بأن ما قامت وتقوم به قبل وبعد انقلاب غزة كان لصالح اسرائيل. علي كل حال ورغم ذلك فإنه ليس امامنا سوي التفاؤل الحذر علي اساس »ان الميه تكذب الغطاس«.. وربنا يهدي الذين اختاروا طريق الضلال.. إنه السميع المجيب للدعوات.