الشباب والشيخوخة.. في الوجدان والقلب والعقل.. وليس في السن! الاثنين: الدم الحار يجدد حيوية الشباب، وثبوت العادة يجمد حيوية الشيوخ.. والشباب والشيوخ ليسا مرحلتين، يقاسان بالعمر والسن، بقدر ما هما حالتان من حالات الإنسان، فبعض الشباب لهم سمات الشيوخ من الركود، والنفور من التغيير، وبعض الشيوخ لهم سمات الشباب تجدداً وحيوية وجرياً وراء التطور والنمو، وبعض العقول تركد في سن مبكرة، فتصيبها الشيخوخة، وبعض العقول تظل تجري وتتحرك فلا تعرف الشيخوخة وإن تقدمت بها السن! وفي تاريخ العظماء الذين غيروا مصائر البشرية، نبتت العبقرية أحياناً وأثبتت فعاليتها في سن متأخرة بعد أن ذهبت - من حيث السن - لمعة الحرارة. وفي عالم الأدب والفن، نضجت القدرة علي الخلق والابتكار أحياناً في سن متأخرة، وتعثرت في صدر الشباب، لا تيأس إذن حيث تزكو الملكات وتتوهج القدرات بشباب أو شيخوخة في السن، ولكن بشباب أو شيخوخة في الوجدان والقلب والعقل، وقلما تجد عقلاً متجدد الشباب إلا يصاحبه قلب لا يكف عن النبض، ووجدان يسجل الهمس واللمس كأنه الرادار، وقلما تجد قلباً متوهجاً إلا كان العقل متوهجاً معه في مثل التوهج والانطلاق، فإذا مات العقل تبعه القلب، وإذا مات القلب فالعقل يتبعه، لا انفصال بينهما، ولا يعني هذا أنهما دائماً علي وفاق، ولكنهما إما أن يتوهجا معاً أو يخمدا معاً! والإنسان الذي يحسن الحياة، هو الإنسان الذي يفتح قلبه وعقله للهواء والتجدد، لا يركد ولا يخمد، بل يظل أبداً في حركة كأنه الطير لا يعيش إلا علي قمم الأشجار! متي نفهم.. متي نتحضر!! الثلاثاء: السباق علي الغرف والمكاتب والسكرتارية بين الموظفين في الوزارات والمصالح والمؤسسات والشركات أمر معروف لكل من له صلة من قريب أو بعيد بهذه الجهات، وهو سباق يبلغ في بعض الأحيان حد الاشتباك والعداء.. ولو أمكن إيجاد سباق مماثل علي العمل وإنجازه لتحسنت أحوال العمل وإنجازه، وكسبت مصالح الجمهور ومصلحة الدولة الكثير. من هم أصحاب الغرف الكبيرة الأنيقة الغنية بالرياش والأثاث الفاخر، نعرف أنهم كبار الموظفين، ومن يحاولون التشبه بهم.. وهذا الجيش من السكرتارية والحجاب والسعاة.. لمن هذا الجيش، إن أكثره لهؤلاء الكبار أنفسهم.. ثم انظر في حظ المئات والألوف من العاملين وصغار الموظفين، تجد غرفاً كئيبة ضيقة يحشرون فيها حشراً! هل مصلحة العمل تقتضي هذا الإسراف والبزخ؟ هل مفهوم الدولة والنظام الذي نعيش فيه والمفاهيم التي نريد أن نقنع بها الناس تقبل مثل هذا الإسراف والبذخ؟ إنني أحتكم في هذا وذاك إلي ضمائر هؤلاء السادة الذين لا تعنيهم من الوظيفة إلا المظهر، وعدد السعاة والحجاب والسكرتارية، والذي يقول الواحد منهم في تبرير ما يصنع.. إنني في درجة وكيل وزارة، إنني موظف درجة أولي، أو موظف درجة ثانية، لابد أن تكون له غرفة مستقلة وسكرتير بل سكرتارية! عقلية قديمة، كأنما قيمة الإنسان تقاس بالدرجة والغرفة وعدد السكرتارية والسعاة والحجاب!! متي نفهم.. متي نعرف.. متي نتثقف.. متي نتحضر؟!. التطرف.. قاتل للطموح! الاربعاء: الإنسان مخلوق عجيب.. قلما تجد إنساناً ليس قلقاً أو لا يشكو، بل إنك علي التحديد لن تجد هذا الإنسان، وليس في هذا العصر فحسب، ولكن في كل العصور التي سبقته منذ وجد علي هذه الأرض، ومن المؤكد أن أمره سيظل كذلك في كل العصور القادمة، مهما يطل الزمن! غير أن هذه الظاهرة، ظاهرة الشكوي وغموضها، هي في الواقع الدافع إلي الحركة والتطور، ولو تصورنا مجتمعاً لا يشكو، لحكمنا علي الفور أنه مجتمع ميت راكد لا تطلعات له، ولو تصورنا إنساناً لا يشكو، لحكمنا عليه فوراً أنه إنسان ميت راكد ليس له آمال ولا تطلعات! ليس لنا إذن أن نضيق بالشكوي والقلق، وأن ننظر إليهما علي أنهما ظاهرتان طبيعيتان، بل ظهرتان صحيتان، ولكن من القلق ما يستبد بالإنسان حتي يصبح مرضاً، ومن الشكوي ما تستبد بصاحبها حتي تتحول إلي ظاهرة مرضية، القلق الزائد يعطل طاقة العمل والسعي وحسن الإدراك بالأمور، والشكوي الزائدة تقتل في الإنسان دوافع الطموح، وتصيبه بما يشبه اليأس والركود! وهكذا كل شيء في هذه الدنيا دون استثناء، وسواء كان حسناً أو سيئاً، الاعتدال فيه إلي الحد الطبيعي مطلوب ومفيد، ودافع إلي التقدم والسعي والتطلع، والتطرف فيه قاتل للطموح والتقدم والسعي، حتي الذكاء نفسه إذا زاد علي الحد أصبح لعنة، وربما انقلب إلي هوس، إن كل ما في الدنيا لابد أن يمتزج بنقيضه حتي يعتدل ويستقيم.. الشجاعة في حاجة إلي جرعة من الجبن، والحكمة في حاجة إلي جرعة من الحماقة، والذكاء في حاجة إلي جرعة من الغباء، والقلق في حاجة إلي جرعة من الطمأنينة، والشكوي في حاجة إلي جرعة من الرضي. إن التطرف في كل شيء قاتل، والاعتدال في التوازن هو ما تريده الحياة، وما يريده الناس، ولن تصلح الحياة، ولن يصلح الناس إلا بقدر ضروري من الاعتدال أو التوازن. أريد رجلاً أنطوي فيه! الخميس: هي: سأخرج.. هو: افعلي ما شئت، باب البيت مفتوح.. هي: ألا تغار عليّ.. ألا تغار أبداً.؟ هو: هل أكذب عليك، وأمثل دور الزوج الغيور!! هي: ألم تعدني أنك ستساعدني حتي نجتاز الأزمة التي يمر بها زواجنا.. فهل هذا ما وعدت به؟ هو: أنسيت أن كل منا اعترف للآخر بحقيقة مشاعره، واتفقنا أن نعيش معاً حياة واقعية خالية من النفاق والكذب؟ هي: ولكني لم أفقد الأمل في إيقاظ حبنا القديم.. وأنا مؤمنة أن هذا من الممكن تحقيقه.. هو: مادمت تؤمنين بذلك، فعليك أن تتحملين المسئولية وحدك!! هي: كيف أتحملها وحدي ونحن شريكان في كل شيء.. لماذا تتحمل المرأة دائماً المسئولية وحدها، إذا فشل الزواج فهي المسئولة، وإذا خرجت دون استئذان زوجها، فهي خارجة علي التقاليد، وإذا استجابت لنداء قلبها وعواطفها فهي فاجرة مستهترة، وإذا داست علي قلبها وحبست عواطفها وأحزانها في صدرها، وأغلقت عليها باب بيتها، فهي امرأة نكدية!! قالت هذه الكلمات والدموع تملأ عينيها، ثم تركته وخرجت دون أن تعرف أين هي ذاهبة.. إنها في حقيقة الأمر لم تكن تريد الخروج، ولكنها أرادت اكتشاف عواطف زوجها نحوها، لعلها تعرف هل مازال يغار عليها مثلما كان يفعل في الماضي، أم أن الغيرة قد ماتت في قلبه، ولم يعد لها وجود!! وقضت ليلتها مسهدة باكية، وفي الصباح جلست إلي مائدة الإفطار في مواجهة زوجها.. هو: أين ذهبت بالأمس؟ هي: أيهمك أن تعرف؟ هو: إنه مجرد سؤال عابر.. دردشة!! هي: أرجوك كفاك سخرية بي!! هو: سأقول دائماً الحقيقة حتي ولو كانت قاسية أحياناً، ولن أعود إلي النفاق والكذب.. هي: ولكن شيئا من النفاق يفيد أحياناً. هو: لقد احترت معك، النفاق لا يعجبك.. والحقيقة أيضاً لا تعجبك!! ولم تستطع أن تتحمل كلماته، فتركت المائدة، ودخلت إلي غرفة نومها، وأغلقت عليها الباب، وأخذت تتأمل حياتها ومصيرها، الأيام تمر دون أن تدري.. أحست أن شبابها يذوي، وجسدها يذبل، وأنوثتها تتجمد!! لقد كانت تتمني أن تتزوج رجلاً تنطوي فيه، وتذوب روحها في روحه، وتعيش معه في جنة الحب، حياة كلها بسمات وهمسات، وضحكات وعناق، حياة كلها حنان وعطف.. حياة بلا هموم وأحزان، بلا خوف وقلق.. بلا دموع وآهات.. وأفاقت من تأملاتها عندما لاح في خاطرها فجأة صورة هذا الرجل الذي التقت به عند إحدي صديقاتها، وأثني علي جمالها ورقتها وأناقتها، وأحس بما تعانيه من أحزان وعذاب، ودعاها إلي العشاء معه، ولكنها اعتذرت له.. تري هل أخطأت.. أم أنها فعلت الصواب؟ هل تظل حبيسة في هذه القوقعة أم تخرج إلي الدنيا، وتعيش حياتها.. وفتحت حقيبة يدها، وأخذت تبحث عن رقم تليفونه!! ويقول الرجل المتشائم انجبت ستة اولاد.. ماتوا جميعا ماعدا خمسة!