إن القراءة المتأنية للمشهد السياسي العام تشي بمخاطر جمة إذا ما استمر الببلاوي وحكومته، لا علي الأمن القومي للبلاد فحسب وإنما علي الانتخابات الرئاسية وتماسك الجبهة الوطنية، وتهدد نجاح المشير السيسي حال ترشحه للرئاسة، وتضعف من قيمة الدولة التي حولتها حكومته ألعوبة في أيدي الجماعات الإرهابية، ومطمعاً تتطاول علي قدرها قيادات غربية خرجت لتوها من متحف الاستعمار القديم . لقد بدت مصر تحت سياسات الببلاوي دولة بلاحكومة، تتلاعب بها جماعات الإرهاب التي تتحدي الدولة علانية فتقطع الطرق وتنظم التظاهرات وتغتال ضباط الشرطة وتحرق سياراتهم وتحاصر منازل القضاة وتروع أسرهم وتستهدف حرق المنشآت والسيارات وتعتدي علي الجنود، والمواطنين، وتخرق قانون التظاهر الذي لم تنفذه حكومتنا السنية "بفتح السين" إلا علي النشطاء السياسيين لتشق صف وتماسك جبهة 30 يونيو، وتعربد الجماعات الإرهابية في سيناء والعريش والشيخ زويد وتضرب في العمق في القليوبية والإسماعيلية والشرقية والقاهرة وطنطا والإسكندرية وكأنها في مأمن من إعمال القانون والحساب والمساءلة. لقد حولت أيدي الإرهاب الآثمة مصر بحدودها وعمقها مسرحاً لعمليات الإجرام والاغتيال والحرائق، وقصاري مايفعله الببلاوي وحكومته الطرية هي بيانات الشجب والتنديد، ولا من إجراء جاد حاسم يعيد للبلد استقرارها وللدولة هيبتها. الأخطر أن سياسات وممارسات الببلاوي وحكومته التي لم تقدم شيئاً للشعب يشعر معها أن ثورته كانت لصالحه لا وبالاً عليه، فلا قدموا برنامجاً يعيد للاقتصاد عافيته، ولا قدموا أفكاراً نشعر معها أننا علي طريق يعفينا من الاستدانة ومد اليد للمساعدات والهبات والمنح، ولاحاولوا استثمار أموال المعونات العربية في تشغيل المصانع المعطلة، ولا في مشروعات بديلة ذات دورة رأس مال عاجلة، ولا تصدوا لمكافحة البطالة، ولا استطاعوا ترويض السوق التي ترتفع فيها الأسعار كل يوم ويتحكم فيها بارونات التوكيلات العالمية "الكمبرادور" عابر القارات المتوحش، وتركوا الناس فريسة لآليات السوق المختلة والظالمة، تحدثوا عن العدالة الإجتماعية فازداد الناس فقراً وألهبت ظهورهم الموجوعة سياط الاستغلال والاحتكار والتسلط، وبدأت بفضل هذه السياسات الخرقاء موجة عاتية من الاحتجاجات الفئوية التي دفع الناس إليها في محاولة للعيش والكرامة. وساعد علي تنامي كل هذه المشاكل الضعف البادي في مؤسسة الرئاسة، التي اعتمدت نفس سياسات مبارك في الشكلانية والإحتفالية وفخامة صياغات الخطاب السياسي مع فقر مردوده وخوائه . وفيما يبدو أن الببلاوي وحكومته لم يتعلموا درس مبارك ولا مرسي، في أن هذا الشعب ماعاد يحتمل أن يلاعبه أو يضحك عليه أحد، ولم يعد من السهل تسكين غضبة الناس بإعلان "الإخوان جماعة إرهابية" فهو إعلان شكلي مسكن، لايحمل آليات تنفيذ حاسمة، ولم تقم الحكومة ولاالرئاسة باتخاذ إجراءات قانونية ولا إدارية ولا حتي دبلوماسية في هذا الإطار، وتعلن المتحدثة الأمريكية بأن سفارتها في القاهرة تلتقي وتتشاور بشكل دوري ومستمر مع الإخوان!! في تحد سافر للدولة، لكنها محقة إذ لم يصلها من الببلاوي وحكومته ولا عدلي منصور وإدارته ما يوجب اعتبار الإخوان منظمة إرهابية، وكان علي الخارجية القيام بحملة دولية نشطة ومن خلال منظمات الأممالمتحدة لوضع العالم أمام مسئولياته بدلاً من ترك بلادنا مفتوحة لكل من أراد أن يدس أنفه في شئوننا الداخلية . ولقد حذرنا أكثر من مرة أن هذه التوجهات والممارسات إنما هي طعنات في قلب الثورة، وهي أيضاً خصم مباشر من رصيد المشير السيسي، الرجل القوي في الدولة والذي فوضه الشعب لمقاومة الإرهاب الذي يستفحل كل يوم، والذي توقع منه الشعب أن يمارس دوره الحاسم في تحسين ظروف الحياة، الأمن ومستوي المعيشة والكرامة الوطنية، وكلما تأخرت هذه الآمال والمطالب العادلة كلما تناقص رصيد السيسي لدي الناس، وبدأ الشارع يتساءل: هل رهاننا علي السيسي رهان خاسر أو ليس في محله؟ وهل السيسي راض عن سياسات الحكومة ورئيسها؟ وإذا لم يكن راضياً لماذا لم يعمل علي إقناع الرئيس عدلي منصور بتغيير فوري لحكومة تخصم من رصيد مصر ورصيده هو شخصياً ومخزون الصبر لدي الناس كل يوم؟ وكلها أسئلة مشروعة نخشي أن تأتي إجاباتها صدمة مدوية في صندوق الانتخابات الرئاسية . الحكومة نقطة ضعف كبيرة في مستقبل الوطن ومستقبل السيسي الرئاسي، ويخطئ كل من يراهن أكثر من ذلك علي صبر الناس، لأن البسطاء والفقراء الذين وجدوا في السيسي البطل والمنقذ بدت رهاناتهم متأرجحة، والمثقفين وأبناء الطبقة الوسطي والنشطاء الداعمين للسيسي والمصطفين معه في جبهة 30 يونيو راح أكثر من فصيل منهم إلي أبعد نقطة خارج دوائر السيسي، فمنهم من عاد لخطيئة "يسقط حكم العسكر" ومنهم من راح يؤيد غيره علنا ويحمله باعتباره الرجل القوي في مصر كلها أخطاء وخطايا هذه الحكومة البائسة الفاشلة. وهنا مكمن الخطر، الذي ينبغي إصلاحه فوراً إما بإقالة الحكومة، أو باستقالة السيسي المسببة والعاجلة منها، هذا إذا أراد حسم معركته الرئاسية مبكراً لصالحه الذي هو نفسه صالح الوطن ومستقبل المنطقة العربية كلها.