الحملة العسكرية والأمنية الأخيرة في سيناء، ضربت "ثلاثة عصافير بحجر واحد ". الأول ، إنهاء وجود المجموعات التكفيرية في سيناء ، ونتمني أن يكون ذلك إلي الأبد ، دون أن تتحول إلي حرب استنزاف . "والثاني" ، انه سينهي أيضاً الفراغ الأمني والاستراتيجي ، لهذا الجزء العزيز من الوطن . "والثالث " أنها يمكن أن تكون البداية الصحيحة والواقعية لتنمية سيناء، ومعالجة مشاكل أهلها ، وتحويلها إلي شريان للاقتصاد المصري. والأمر هنا يحتاج إلي خريطة للمستقبل عبر خطوات محددة أولها ، أن نعترف أن هناك جريمة تم ارتكابها في حق سيناء، علي مدي العقود الماضية ، ومنذ ثورة يوليو 1952، عبدالناصر رغم تمتعه بوعي استراتيجي واسع ، وإدراك بأهمية سيناء علي كافة المستويات ، وأنها الممر التاريخي لكل الغزوات التي تعرضت لها عبر تاريخها، ولكنه فرض حظرا علي سفر المواطنين إلي سيناء ، سوي بالحصول علي تصريح، رغم وجود خط سكك حديدية كان يربط قطاع غزة مع المدن المصرية . ساهم ذلك في فصلها عن بقية أراضي الوطن ، وجاء بعده السادات، ليكون جرمه أكبر، وأفدح، صحيح انه من قاد حرب أكتوبر، وحقق انتصارا للمرة الأولي، ولكنه فشل فشلا ذريعا في الاستثمار السياسي لهذا الانتصار، خاصة بعد زيارته للقدس، وسعيه الحثيث لعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، حيث وافق علي جدول زمني للانسحاب ينتهي في 1982 ، وكانت الخطيئة الكبري ، انه وافق علي تقسيم سيناء إلي ثلاث مناطق، ا و ب وج، يتم تحديد عدد القوات والمعدات في كل منطقة ، وكلها لا تكفي للدفاع عن سيناء ،وأصبحنا الآن تحت رحمة موافقة ، أو رفض إسرائيل لزيادة حجم قواتنا ، علي الشريط الحدودي أو في شمال سيناء، لمواجهة العناصر التكفيرية . أما حسني مبارك ، فرغم انه بدأ حكمه بالإصرار علي انسحاب إسرائيل، من كل شبر في سيناء ، وخاض غمار معركة قانونية لاسترداد منطقة طابا، ولكن خطأه التاريخي الذي مازلنا ندفع ثمنه حني الآن، انه اختصر كل سيناء في مدينة شرم الشيخ . والتي اعتبرها إنجازه الكبير، ولكن ماذا عن بقية المنطقة ؟ لا شيء. وجاءت ثورة 25 يناير، لتساهم في الفراغ الاستراتيجي، والانفلات الأمني. الخطوة الثانية ، أن تخرج سيناء تماماً من سوق المزايدات السياسية ، والخلافات الحزبية ، وان تنتهي تلك الاتهامات، التي تساق بدون دليل، أو وثائق أو حقائق ، عن مسئولية أنصار الرئيس محمد مرسي ، عن تصاعد أعمال الإرهاب في سيناء. فالقاصي والداني يدرك تماماً، أن الموجودين في سيناء من التكفيريين ، ليس لهم أي علاقة بأي تيار إسلامي آخر. بل أنهم قاموا بتكفير الدكتور مرسي، ولا يؤمنون بآليات الديمقراطية، وصناديق الانتخابات ، باعتبار ذلك "رجس من عمل الشيطان" ومنها جماعات جند الله ، وجند الإسلام ،وجيش الأمة ، كما أن هناك تنظيمات آخري يضمها مجلس شوري المجاهدين ، وتضم نوعيات مثل اكناف بيت المقدس ، وأنصار بيت المقدس ، والسلفية الجهادية ،بالإضافة إلي تنظيم "الفرقان" احد اذرع تنظيم القاعدة في مصر . وقناعتي التي لن أغيرها ابدا. أن كل تلك التنظيمات مخترقة حتي النخاع ، من أجهزة مخابرات دولية وإقليمية ، تنفذ أجندتها ، وتخدم مخططاتها ، بدون وعي، وبدون اتفاق في اغلب الأحيان، والهدف هو خلق حالة من عدم الاستقرار في مصر، من خلال منطقة إستراتيجية رخوة امنيا مثل سيناء ، وهناك معلومات يتم تداولها ، عن تورط عدد من ضباط الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة ، والذي يشرف عليه القيادي الفلسطيني محمد دحلان ، وتم طرده من القطاع ، يقيمون في شمال سيناء، وتورطوا في العمليات الأخيرة، ولعل الحديث عن تجنيس 50 ألف فلسطيني بالجنسية المصرية ، كلام ممجوج ، وغير صحيح. فقرارات التجنيس تتم بقرار من وزير الداخلية، ويتمتع بهذا الحق فقط ، أولاد الأم المصرية المتزوجة من أجنبي ، وفقا للقانون الذي وضع في زمن سوزان مبارك . ولم يتم تغيره ،أو وضع ضوابط علي تلك العملية.. كما أن تحميل النظام السابق ، مسئولية مقتل الجنود المصريين في رفح ، في رمضان قبل الماضي ، ادعاءات فارغة المعني، تقع تحت بند "الكيد السياسي" ، وكشف الحقيقة يحتاج إلي مزيد من الوقت. الخطوة الثالثة ، التوصل إلي صياغة خطة قومية لتنمية سيناء، وأظن أن الأمر لا يحتاج إلي مزيد من الدراسات . فالقضية مطروحة، وعمل عليها كثير من اللجان والمسئولين، منذ أكثر من ثلاثين عاما، وليس لدي أي تفسير لتأخر عمليات التنمية هناك ، ولغز غياب الإرادة السياسية ، وسر تقاعس المخلوع عن تنفيذ تلك الخطط ، وظني أن خلق مصلحة لدي سكان سيناء ، من خلال عمليات واسعة للتنمية ، هي أول خطوة باتجاه إنهاء كل أزماتها، فهم الأقدر وفقا للتركيبة القبيلة آن ينهوا ، وجود تلك الجماعات لحفظ مصالحهم ،والغريب أن هناك مشاكل مستعصية ، ومطالب مزمنة لسكان سيناء ، من قبيل عمليات تملك الأراضي ، وتوفير الخدمات الحياتية ، وزيادة حجم المخصص لبناء مرافق عامة، ومساكن للأهالي. ومع ذلك مازالت لم يتم الاستجابة ، وقد وافقت الوزارة السابقة علي تخصيص 4 مليارات جنيه، لمشروعات تنمية في سيناء، علي أن يتم إسناد تنفيذها إلي القوات المسلحة. ويمكن البدء فيها فورا، يضاف إلي ذلك تنفيذ مخطط مدروس، ومتفق عليه مع القبائل، من أبناء سيناء . من خلال السماح ، لإعداد من سكان الدلتا والصعيد، بالمشاركة في عمليات التعمير، ومشروعات التنمية ، والسماح لهم بالإقامة بما لا يضر بمصالح هذه القبائل المهم أن نبدأ قبل فوات الأوان ..!