الذهب »أكثر من رائع، من يمتلكه يمكنه أن يفعل ما يشاء، بل يستطيع ان يرفع به الأرواح إلي الجنة«.. حبيب الذهب هذا هو المغامر الإيطالي كريستوفر كولمبس، وولعه الظاهر بسطوته أورده في خطاب أرسله إلي ايزابيلا وفرديناند صاحبي عرش اسبانيا عام 3051، اللذين آزرا حلم اكتشاف طريق إلي الهند مغاير لذلك المار بالجزيرة العربية، يكسر احتكار العرب والايطاليين لتجارة التوابل، وهو ما ظن كولمبس خطأ انه قد حققه عام 2941 عندما وصل لإحدي جزر البهاماس فأطلق علي السكان الأصليين الذين أتعس القدر مصيرهم بلقائه.. مسمي الهنود. ويجري الاحتفال سنويا في شهر أكتوبر بذكري الكشف والمكتشف في الولاياتالمتحدةواسبانيا خاصة، فيه تمت توسعة رقعة القارة الأوروبية واستقدام خيرات الأراضي الجديدة وعليها الاتجار في البشر من سكانها وما تبعه بعد اسنتفادهم من استجلاب عبيد القارة السوداء، وكل طحنت اجسادهم اقتصاديات عصر حديث ونظم تتزين بأقنعة ديموقراطية تخفي عهودا من الظلم والقهر.. علي الغير. ويري مؤرخون، ان شخص كولمبس ذاته لا يستحق التكريم، إذ ان دافعه الأول من رحلاته البحرية كان البحث عن الثراء والشهرة، وانها تزامنت مع صعود الامبريالية الغربية واحتدام الصراع بين الممالك الأوروبية للسيطرة علي طرق التجارة العالمية ونهب المستعمرات، وانها كانت بداية لغزو أوروبي جلب معه في هذا العالم الجديد منظومة رق لا ترحم وافرزت فئة تخصصت، قديما وحديثا، في تبرير ما تسببه من دمار وقتل الأغيار تحت شعار »النظام الجديد«. وفي البداية مدح كولمبس في مذكراته القبائل المسالمة التي استقبلته ورجاله ذاكرا »ان أقصي ما يمتلكونه من أسلحة هي رماح من عيدان القصب« مضيفا انهم يصلحون ان يكونوا خدما ممتازين. ثم سرعان ما تحول إلي الرأي المضاد عندما بدأ الهنود رفض الانصياع لمظالمه، فنعتهم بهمج ومن آكلي لحوم البشر وغير ذلك من أكاذيب أراد بها ان يبرر ذبحهم واتخاذهم سلعا تدر ربحا وفيرا كما بينه في رسالة خطها إلي الملكة ايزابيلا وزوجها فرديناند عام 3941 يقول فيها: »ان هؤلاء العبيد يمكن باسم الرب بيعهم فهم برغم كونهم أشياء حية إلا انهم يساوون وزنهم ذهبا« ولأحد أصدقائه عام 0061 قوله: »انه يجني الكثير مقابل بيع أراضي المستعمرة والنساء اللاتي يتصارع التجار علي طلبهن وخاصة ممن لم يبلغن منهن بعد سن الحلم«. وعن الارث الذي قننه كولمبس، يصف بدرو كردوبا احد معاصريه في رسالة له إلي الملك فرديناند عام 7151 حال احدي المستعمرات فيقول: »ان مئات الهنود قتلوا أنفسهم للتخلص مما كانوا يتعرضون له من عذاب، والنساء أسقطن حملهن اشفاقا علي جلب مزيد من العبيد إلي الدنيا، والعقوبات تطيح بالجميع فتقطع الأنوف والأذن بل ويجري القتل لأوهي الأسباب حتي علي سبيل الدعابة«. وفي كتاب آخر يقول احد المستوطنين واصفا مسار احدي المجازر عام 6391: »أطلقنا النار علي من حاول الهرب رجالا ونساء أو أطفالا، كان منظر من يحترقون بشعا، ولكن النصر يبرر هذه التضحية، وقد أقمنا الصلوات فيما بعد لشكر الرب«. وقد قدر بعض المعاصرين لكولومبس ان عدد سكان جزيرة هيسبانيولا كان يتراوح ما بين مليون ونصف المليون نسمة عام 6941 لم يتبق أحد منهم بحلول عام 5551. ويقول الدكتور جاك فوربس استاذ دراسات السكان الأصليين بجامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب »كولمبس وأمثاله من آكلي لحوم البشر« الصادر في 2991: »نحن نلتهم غيرنا بتدميرنا اياهم واستعبادهم والاستيلاء علي اراضيهم وثرواتهم.. فثقافتنا تتلخص في انه إذا كان هناك من يمتلك شيئا نريده، فاننا نسعي للحصول عليه حتي لو اضطررنا لقتله. انه أسلوب حياتنا ونأمل ألا يكون طاغيا علي مستقبلنا في الوقت الذي ينقص فيه النفط في بلادنا ونري انه لا مناص من اشعال الحروب للحصول عليه. ومما لا شك فيه ان ملاحهم المغامر قدم تاريخا امتلأ بشرور كثيرة ودمر حياة وثقافة كل من وضعهم حظهم العثر علي دربه، ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن نكران ان هذه الاكتشافات غيرت وجه عالمنا، ولا يسع بعض من ينتقدون الاحتفاء بكولمبس، الا اقامة يوم من كل عام يخصص لتأبين ذكري أولئك الهنود الذين هلكت بذرتهم حتي ولو لم يجد ذلك في تعويض خسارا أو عمرانا. »ولا تخش العمل باسم الرب خاصة إذا كانت الغاية هي الرغبة الخالصة في خدمته المقدسة« امضاء: كريستوفر كولمبس.