انا ممن لا يطيقون القبح، ومع ذلك فالقبح يحاصرني اينما ذهبت، الشوارع اصبحت قبيحة، لا جمال فيها، لا ذوق، لا رقي، شوارعنا التي كانت جميلة في يوم ما أصبحت كما العجوز الشمطاء، الحمقاء. ألفاظ الناس في تعاملها اليومي حدث ولا حرج، قاموس من البذاءة، والحقارة، والانحطاط، والتدني الذي لم نعهده في المصري صاحب سمات الأدب والذوق ! التلوث البصري الناتج عن انتشار القبح ،أمر مقدور عليه، ممكن معالجته برفع الوعي، وتنمية الذوق، وتفعيل القانون، كذلك التلوث السمعي الناتج عن الضوضاء، والتلوث البيئي والمائي والغذائي الناتج عن الجهل، وانعدام الضمير، وتراخي الاجهزة، وغياب المسئولية. التلوث اللفظي، في رأيي، هو التلوث المستعصي علي العلاج لأنه متفش كالسرطان الآن في كل مكان من بلادنا العزيزة، في الشوارع، في المدارس والجامعات، في المصانع والمصالح، في البرامج الحوارية التليفزيونية، والمحطات الدينية، فيما تنشره الصحف، وكأن البذاءة في اللفظ والقول والفكرة أصبحت من المفردات المعتادة في التعامل اليومي بين المصريين الذين عرفهم العالم عبر التاريخ بالطيبة والرقة والحكمة والادب وحسن الضيافة. كلنا نحرص علي أناقة ملبسنا وحسن مظهرنا الخارجي، لكن من منا يحرص بنفس القدر علي أناقة أفكاره، وحسن اختيار الكلمة واللفظ الخارج عبر لسانه من بين شفتيه ؟ من عقل الإنسان تولد الفكرة، سواء كانت طيبة أو رديئة، من الفكرة تولد الكلمة التي يحملها اللسان، فلاسفة اليونان تحدثوا كثيرا عن الكلمة المولودة من الفكرة المعبرة عن مخزنها في العقل، هناك عقل صالح قمته الحكمة، وهناك عقل فاسد من مخرجاته فساد الكلمة، من العقل الصالح تخرج الفكرة الصالحة التي تجسدها الكلمة الطيبة، بالحروف المهذبة المنمقة التي تعبر عن الحكمة، من العقل الفاسد، تخرج الفكرة الفاسدة التي تترجمها الكلمة المنحطة، التي تعبرعن سوء الأدب، وانحطاط التربية، والجهل المزري، وانعدام الوعي، و " زفارة القلب " التي يعبر عنها اللسان بما يحمله من كلمات تعف النفس عن ترديدها أو ذكرها، وتقشعر من سماعها، وما أقساها عندما تخرج من لسان يتحدث باسم الدين، أو من لسان يقدم نفسه للناس علي انه صاحب فضيلة، أو من لسان يفترض في المكانة الاجتماعية، أو السياسية، أوالوظيفية التي يتقلدها انه سفير فوق العادة في الدبلوماسية، لهذا قالوا: إن "العقل زينة "، وقالوا " لسانك حصانك، ان صنته صانك وان هنته هانك "، وقالوا " العقل نعمة " يدركها اصحاب الحكمة، ولهذا دعتنا الاديان السماوية والأرضية لعفة اللسان، بالكلمة خرج ابليس من الجنة، بالكلمة تؤلف القلوب ويعم السلام، وبالكلمة يحل الخراب. لهذا يقول القدماء " كل إناء ينضح بما فيه "، اي ان العقل الحكيم يفرز الكلمة التي يحملها اللسان الطيب، والعقل الفاقد للحكمة ينقل للسان ما هو عكس ذلك ،كم من إنسان أفسد عمله يوم فسد لسانه، ما أكثر الذين تسببت كلماتهم في ضياع حياتهم، الكلمة مِلك لك طالما بقيت في عقلك،إن خرجت من شفتيك تحاسب عليها، تذكر دائما ان صاحب العقل الحكيم يعني ما يقول، يزن كلماته فتخرج من شفتيه جواهر الحكمة، ما أكثر الذين طلبوا الحكمة من الله لتزين افكارهم ،تنقي كلماتهم ،تقوي علاقاتهم ،تؤكد نجاحهم ،الحكيم هو الذي يعرف متي يتكلم، وبماذا ينطق، ومتي يصمت،فيكون سكوته حكمة، يحتاج الطفل لعامين ليتعلم الكلام، ويحتاج لسنوات ليتعلم الصمت، فمن الكلام ما قتل، ولهذا قيل " خير الكلام ما قل ودل " . قبل وبعد كل شيء، تذكر أن الله يسمعك قبل ان يسمعك الناس، يارب نقنا من داخلنا، لنوقن أن رأس الحكمة مخافة الله، وخلصنا من التلوث اللفظي البشع الذي يفسد علينا سماتنا التي عرفنا بها العالم . من ضاق قلبه طال لسانه . أضعف الناس من لم يملك نفسه عند الغضب. * من ظن أنه تعلم فقد بدأ السير في طريق الجهل . ما ابدع الجمال عندما يقترن بالذكاء وطهارة النفس والايمان بالله . السعادة والشقاء وجهان لعملة واحدة.. هي الحياة.