أ. د. عبدالرحيم خليفة في أقصي الصعيد وتحت شمس قنا الحارقه، كنت أري الأطفال يقذفون (يعجطون) أشجار النخيل بالطوب حتي تتناثر ثمار البلح الأخضر (النارخ) قبل أن ينضج ويأكلونه رغم أنه شديد المراره، ولا أعلم لماذا يحضرني هذا المشهد أمام ما أري علي الساحه السياسيه . دعونا نتفهم - وليس بالضرورة أن نوافق - أفعال جماعة الإخوان وما يقال في حقهم من محاولة أخونة الدوله او الاستحواذ علي مقاليد السلطة الي أخر هذة الاتهامات الموجهة إليهم وأعتقد أن بعضها - علي الأقل - صحيح . وأتعجب ممن ينتقدون أفعال الإخوان دون مناقشة العقيدة الإخوانية الأساسية وطرح الموضوع من القمة قبل الدخول في الفروع . وحتي نكون منصفين فلا بد لنا من النظر إلي الأمور من زاويه نظر الجماعة ذاتها فهي جماعة قامت لاستعادة دوله الخلافه الإسلاميه التي فككها الإستعمار، وهذا ولاشك هدف نبيل ومشروع فلا يستطيع مسلم بحق أن ينكر عليهم هذا الهدف، بل والحد الأدني أن لا يكون المسلم عقبة أمام هذا الحلم . وكلنا يعلم كم عاني أصحاب هذا التيار من ظلم وقهر وتعذيب وتغريب وإقصاء ومصادرات مالية ومع هذا لم يثنهم ذلك عن هدفهم، ولم يندم أحدهم علي ما خسر او ضحي، ولم يتباك علي ما فاته من فرص أو ضاع من مال، وأتصور أن جميعهم علي أتم الاستعداد للتضحية بالمال والولد والنفس في سبيل هذة الغايه، وأشهد لهم بأنهم نجحو في عمل تنظيم عالمي جيد (غير حكومي) يناظر التنظيمات العالمية المؤثرة (غير الحكومية ) واستطاعو ان يفرضوا هذا التنظيم كأمر واقع تتعامل معه قيادات الدول باحترام أو بريبة أو بعداء سافر .وأنا كمسلم لا أستطيع ان أنكر عليهم حلم الخلافه، ولكني مخلصاً أختلف معهم تماما في الخطوات والتوقيت وأسمح لنفسي أن أسأل مجموعه من الأسئله : هل تعتقد جماعة الاخوان أن ما حصلوا عليه من تأييد في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسيه هو موافقه ضمنيه من الشعب علي برنامج استعادة الخلافه ؟ أم أن التأييد جاء لاعتقاد المجتمع أنهم حمله البرنامج الإسلامي المستنير والبديل لحقبة مظلمة من الإستعباد والقهر والاستغلال؟ .. هل تظن جماعه الإخوان ولو للحظة أن المجتمع المصري - بما فيه التيارات الإسلاميه - مؤيد لهذا الهدف وإن كان مؤيداً لهذا الحلم هل هو مستعد لدفع فاتورة التضحيات المطلوبه لتنفيذه علي أرض الواقع ؟.. والأهم من ذلك هل تظن جماعة الإخوان أن الدول العربيه والإسلاميه علي استعداد الأن لتبني هذه الفكرة ؟ والتي من صلبها محو الحدود وإعادة توزيع الثروات بين الشعوب وهل ترك مقاعد القيادة والإمارة والتنازل عن عروش الملك بهذه البساطة ؟ وماهو حجم العنف ورد الفعل المنتظر حدوثه لمجرد الشروع في المحاولة ؟ أما عن الدول الغربيه والمجتمع الدولي فحدث ولا حرج فهم الذين وضعوا الحواجز وقسموا الأراضي وزرعوا الفتن بين الأشقاء فماذا ننتظر منهم؟ الترحيب بالخلافة الوليدة ورعايتها أم وأدها في المهد بل وإجهاضها قبل أن تكون جنينا في رحم العقل والفكر ؟ وإن تطلب ذلك افتعال حرب عالمية . . وقبل هذا وذاك هل استوعب الشعب المصري والإخوان من ضمنهم ما دفعه عبد الناصر ودفعته أجيال من المصريين ثمنا في سبيل تحقيق حلم الوحدة العربية ؟ وكم عانينا وما زلنا نعاني من آثار هذا الحلم الذي تحول إلي كابوس أودي بنا إلي هاوية التسول من الأشقاء العرب بعد أن كنا أصحاب الريادة واليد العليا. لا أود ان تكون الصورة بهذا السواد، فإنني أتفق مع الإخوان علي أن ما حدث في مصر والعالم العربي من ثورات قد يكون منحة إلهية - وقد لا تتكرر مرة اخري - ولكن هذا الحلم يحتاج الي عشرات بل مئات السنين لتأهيل الشعوب المسلمه والمجتمع الدولي حتي تكون الفكرة مرحبا بها أو علي الأقل مقبولة سلميا ومفروضة واقعاً علي المجمتع الدولي . إن الحلم الذي لا تملك أدوات تحقيقه هو في الواقع حالة غيبوبة تحتاج إلي غرفه إفاقة وإنعاش . وما بين حلم الخلافه الإخواني وما أري علي أرض الواقع السياسي يعود أمامي مشهد الطفل الذي يستعجل قطف (النارخ) قبل أن ينضج ....وحين تلومه أو تنهرة يغمض عينيه اعتقاداً منه أنه إذا أغمض عينية فلا أحد يراه ...... والحق أن هذة هي الطفوله السياسية التي نمارسها جميعا.