هذه مقولة مغرقة في القِدَمْ في بلادنا ولكننا شاهدنا لاول مرة كيف أن الدولة وقوانينها حكمت بأن يعيد المرتشي الرشوة التي اخذها ولم يسأل الراشي ولو لدقيقة واحدة عن هذه الرشوة. اولا ان كل المرتشين في المؤسسات لم يدفعوا الرشاوي من فلوسهم بل دفعوها بسخاء وكرم من فلوس المؤسسات، تلك المؤسسات التي تحاسب الذين خرجوا علي المعاش والذين خدموا هذه المؤسسات بطول عمرهم وارتفعت قامة المؤسسة علي اكتافهم هؤلاء الذين خرجوا علي المعاش لا علاج لهم ولا ارباح لهم اي ان البذخ كان علي حساب هؤلاء الذين وصلوا الي سن هم في اشد الحاجة للعلاج وحياة مريحة وكأنهم يعاقبون لانهم وصلوا الي عدم المقدرة ونظام المعاشات في بلادنا يحتاج دراسة لان المواطنين لم يستطيعوا التفكير فيما وصلوا اليه ولو فكروا جيدا لارتفعت اصواتهم وتجمعوا في تظاهرة حقيقية ولكن الذي حدث ان كل من وصل الي سن المعاش واقتصرت مكافأته علي رقم مخجل لا يمكن تسمح كرامتهم بمناقشة الامر ووجدت نفسي كأني انوب عن كل اصحاب المعاشات لنفتح هذا الملف ويدقوا ابواب العدالة حتي ينظر لكل صاحب معاش بنيت علي اكتافه مواقع عمل شديدة القدرة علي استمرار الخدمة بل تزداد المقدرة وترتفع الخبرة علي هؤلاء الذين انكمشت مكافآتهم واصبحت لا تكفي ما يقيم الأود او يدخلهم في خانة المعوزين. مع ان هذه الفئة من فئات المجتمع اصبحت ذات خبرة ويمكن تنظيم الانتفاع بهذه الخبرات ولا تترك للجلوس علي المقاهي او امام التليفزيون ويغلبهم النعاس وقد اقترحت منذ عشرين عاما ان ينتفع بخبرات هؤلاء الذين يدفعون دفعا الي فراغ اقترحت ان يستعان بخبراتهم في تعليم الموظفين الجدد بدلا من ان يعلموهم الرشوة في زمن يغاث فيه الناس وقد تغيرت كيمياء المصريين تغيرا كبيرا لدرجة ان الرشوة اصبح لها اسم الدلع التساهيل وفي هذا الزمن الذي لم تعد مصر هي مصر ولا المصريون هم المصريين ولم يعد التمسك بالاخلاق سوي حرمان من اشياء كثيرة.. لدرجة ان احدهم قال لي وهو يبيع كرتونة المياه المعدنية بضعف ثمنها فلما آخذته علي ذلك لان كرتونة المياه كانت ب 52 جنيها واصبحت بخمسين حينما آخذته قال لي: - ده رزق وله اسبابه وربنا عارف اننا بعد »الزنقة« دي ضروري حنغلي الميه؟ وقالت سيدة تبيع الشاي والقهوة بثلاثة اضعاف الثمن وهي تقف في الشارع »بمنضدة« صغيرة وكانت تبيع الشاي بخمسة قروش في ميدان التحرير فأصبحت تبيعه بعشرة قروش ولما تعجبت وانا بأكلمها قالت- اشربي النهاردة بعشرة احسن بكرة حيبقي بعشرين- وأتعجب ماذا سوف يحدث بعد ذلك وكيف تتغير وزارة قنديل؟ او سوف »تتقندل« اكثر من ذلك نحن في زمن لا نعرف ماذا يحدث غدا وقال لي رجل دفع رشوة حتي يلحق ابنه بعمل بعد تخرجه في كلية الحقوق: - يعني يا استاذة ادفع الرشوة وابني يشتغل ولا اسيبه صايع؟ قلت : حاول تشغله في مكان ليس به رشوة. قال: - يا استاذة انت عايشة فين انت في مصر اللي الرشوة فيها فرصة سعيدة!! وتركت الرجل وانا كالتائهة ولا اعرف متي تستعدل مصر؟ ومتي يستعدل المصريون؟ لم اعد انتظر حلا علي ارض الواقع وانما انتظر حلا لمصر من السماء. مصر لها خصوصية في كل شيء ففي قضية الرشاوي واسم الدلع هدايا.. لقد اكتفت مصر برد الرشاوي ولم تحاسب الراشي ولا المرتشي. ولماذا تأخذ الرشوة من المرتشي ولا تعاقب الراشي؟ ولكن نحن في مصر بلد العجائب!!