رغم أنه قد أتيح لي أن أزور مدينة بورصا التركية مرات عديدة إلا أنني أكتشف في كل مرة وكأنني أزورها للمرة الأولي.. فعندما أكون في زيارة لأحد المعارض الصناعية التي تتكرر وتتنوع علي مدار العام أشعر وكأنها المدينة الصناعية الأولي في تركيا. فالمدينة بها عدة مدن صناعية علمت أن مصانعها تصدر الماكينات التي ينتجونها إلي مختلف دول العالم بما فيها ألمانيا أم صناعة المكن.. مصانع للسيارات والموبيليا فضلا عن صناعات النسيج والحرير الأكثر جودة في العالم.. وعندما أكون بصحبة وفد زراعي أشعر بأن بورصا هي سلة الطعام التي تتغذي منها تركيا بأسرها وتصدر ما يفيض عن الاستهلاك من الخضراوات والفاكهة. بورصا كانت العاصمة الأولي للدولة العثمانية وبها الكثير من الآثار التاريخية والمتاحف والمساجد أشهرها الجامع الكبير »أولو جامع« والمسجد الأخضر الموجود بمنطقة سوق الحرير وهي المنطقة التي تحتاج إلي زيارات متعددة للتعرف عليها والاستمتاع بها..أما عن جمال الطبيعة فالله الله عليكي يابورصا.. قمم جبلية تخبل العقول بخضرتها في معظم شهور السنة وتكسوها الثلوج في شهور أخري، وهو ما جعلها مركز جذب لهواة التزلج علي الجليد..والله الله عندما تعايش وقت ذوبان الثلوج وتزور منطقة الشلالات لتري المياه المنحدرة من قمم الجبال..منظر ساحر تتمني لو استطعت أن تظل تتأمله وتعيش في أجوائه لعدة أيام.. وقد تتعجب عندما تسمع أن المدينة تخلو من الأمراض وذلك لانتشار منابع المياه الكبريتية بها، وهو ماجعلها مركز جذب لراغبي الاستشفاء، كما كانت عيون حلوان في السابق. هذه المرة ذهبت إلي بورصا لحضور احتفالية يتم تنظيمها للمرة الثانية بهدف جذب السياح العرب، ليس للسياحة فقط ولكن أيضا للاستثمار والتملك .. بهرني ما رأيته من تحرك المسئولين عن المحافظة للترويج لها دون انتظار لأن تقوم الحكومة المركزية في أنقرة بهذا الدور، وهو الدرس الذي أتمني أن نتعلمه في مصر.. فكل محافظة من محافظاتنا بها من الامكانيات والثروات الطبيعية ما يؤهلها لأن تكون في ذاتها مركز جذب للسياحة والاستثمار، وأتصور أن الحكم علي أداء المحافظين خلال المرحلة الجديدة لابد أن ينبع من قدرة كل محافظ علي استثمار إمكانيات محافظته والترويج لها. وفود إعلامية وممثلون لشركات سياحية من 16 دولة كانوا حضوراً في الاحتفال.. محافظ بورصا شهاب الدين خربوط تحدث عن تاريخ المدينة التي كانت في وقت من الأوقات عاصمة الدولة العثمانية وتواتر علي حكمها 16 سلطانا.. وبعد أن تغِّزل في جمال الطبيعة والغابات التي تنتشر فيها أشجار "الدولب" التي يزيد عمرها عن 700 سنة قال أن كثيرا من مشاهيرالملوك وزوجاتهم والمشاهير من فناني العالم تعودوا زيارة المدينة للاستمتاع بطبيعتها الخلابة والاستشفاء في مراكز العلاج بالمياه الكبريتية .. أشهر من زارها ملكة بريطانيا في عام 2008 والتي عبرت عن انبهارها بجمال الطبيعة التي أنعم الله بها علي بورصا. وعن أكبر المشاكل التي تعاني منها المدينة والخاصة بالزمن الذي تستهلكه الرحلة من مطار اتاتورك باسطنبول مرورا برحلة العبارة إلي مدينة "يالوفا" ثم استكمال المشوار في حوالي 3 ساعات ونصف الساعة.. قال المحافظ إنهم يدرسون تنظيم رحلات مباشرة من مختلف العواصم العربية، فضلا عن أنهم يقومون بتشييد طريق سريع مباشر يختصر الزمن إلي ساعة واحدة فقط، بالإضافة إلي التوسع في الرحلات الجوية مع اسطنبول ليصبح زمن الوصول إلي بورصا 20 دقيقة فقط. بعيدا عن الأجواء الاحتفالية والرقصات الفلكلورية والابتسامات التي علت وجوه الحاضرين من المدعوين أو من الأتراك الذين احتشدوا في حديقة عثمان غازي وعلي جانبي الطريق الذي مرت به الفرق الاستعراضية فإن أهم درس خرجت به هو كيف أن المسئولين بالمحافظة يتعاملون وكأنهم يتولون مسئولية دولة مستقلة بعيدا عن روتين وتعليمات وأوامر وتوجيهات الحكومة المركزية.. فهل يتعلم محافظونا ورؤساء الأحياء الدرس من الأتراك ويتخلصون من عقدة انتظار أوامر القاهرة أو الاكتفاء بالتقارير الخادعة التي لا تعكس الصورة الحقيقية للمشاكل المزمنة المتراكمة منذ عشرات السنين؟!