مصطفى عبدالله وهي تجلس أمامي علي منصة الندوات بالمجلس الأعلي للثقافة مساء الأربعاء الماضي، خلت الشاعرة عزة بدر معلمة في مدرسة نموذجية، أو أستاذة بأحد أقسام اللغة العربية في جامعاتنا وقد تولت مسئولية النشاط الثقافي بإحدي الأسر فصنعت ورشة لصقل المواهب بعد اكتشافها ثم تسليط الضوء عليها لتتمكن من الوصول إلي المتلقي. هكذا أقنعت نفسي، وأنا أحضر حفل تدشين المجلد الضخم الذي أصدره المجلس الأعلي للثقافة من إعداد الدكتورة عزة بدر في أكثر من أربعمائة صفحة ليضم بين دفتيه سير وإبداعات واحد وخمسين شابًا في مجالات القصة القصيرة وشعر الفصحي والعامية والخاطرة الأدبية: 19 منهما في القصة، و8 في شعر الفصحي، ومثلهما في شعر العامية. فضلا عن مدونات وشهادات وتجارب مخرجي أفلام روائية قصيرة، وأفلام الموبايل، وأفلام الدقيقة الواحدة، والأفلام التسجيلية، ومؤلفي المسرح والموسيقي. ويبدو أن معاناة عزة بدر- الشاعرة وهي تترك دمياط لتلتحق بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، وتتلمس خطاها إلي الندوات والأمسيات الشعرية في العاصمة، وفي الأقاليم أيضًا هي التي جعلتها تفكر في إقناع القائمين علي لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة لتتحمل مسئولية هذا الصالون الذي حمل اسم "تواصل" وبلغ اليوم من العمر ثماني سنوات؛ شهد خلالها تخريج عشرات المواهب التي منحها وثائق ميلادها، وإن لم تمنح الساحة معظمهم الفرصة للنشر والتقييم ولقاء القارئ في خارج هذا الصالون الذي تجتهد عزة في اجتذاب الموهوبين إليه لكي تمنحهم الثقة في المضي علي درب الإبداع الوعر. من هنا تأتي أهمية صدور هذ السِفر الذي يتيح للقائمين علي مجلاتنا الأدبية، وللمشرفين علي الصفحات الثقافية فرصة الوصول إلي هذه الدماء الجديدة، وهم في مكاتبهم، ويمكنهم من قراءة مشهد الإبداع المصري وإرهاصات ما قبل ثورة 25 يناير بشفافية وتجرد، وهذا ما إلتفت إليه الناقد الدكتور السيد فضل، مقرر لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس الأعلي للثقافة وأستاذ الأدب المصري بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، والدكتور رفعت لقوشة، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة الإسكندرية، والكاتب الشاب وائل سليم عباس في تقييمهم لتجربة عزة بدر، التي أعتبرها نواة لإصدار معجم عصري للإبداع المصري. وتقدم "عزة" كتابها قائلة: "هو إطلالة علي أعمال أدبية متميزة لجيل جديد من المبدعين والمبدعات.. إطلالة علي عوالم مغايرة، وأفكار مثيرة للتأمل والدهشة. وهذه الأعمال مختارات متنوعة مما قدمه شباب المبدعين في "تواصل" التي تهدف إلي تحقيق الفاعل بين الأجيال الأدبية والفنية، وإثراء التيار الثقافي بأصوات لم تسمع من قبل، وعرض التجارب الإبداعية والثقافية المغايرة، وتحرص الندوة علي تنوع الفنون وتراسلها، من خلال تقديم القصة في عناقها مع الشعر، وعرض الأفلام الروائية القصيرة، والغناء والعزف الموسيقي. ويضم هذا الكتاب مختارات من الأعمال الإبداعية التي قدمتها الندوة علي امتداد دورتين: من عام 2005 إلي عام 2009 وقراءة في هذه الأعمال اللافتة التي تستحق المزيد من الدرس الأدبي والنقدي. كما يضم الكتاب تعريفًا بالمبدعين والمبدعات الجدد في هذه المجالات، فقد قدمت "تواصل" الأصوات الجديدة في مجال القصة القصيرة والشعر، وأصحاب التجارب الفنية التي امتزج فيها الفن الأدبي والسينمائي، كما حرصت علي تقديم التجارب الإبداعية المغايرة مثل أفلام الموبايل وأفلام ورشة الدقيقة الواحدة". وقد استمعت مع الحضور إلي أصوات شباب الصالون وتجاربهم: جمال فتحي، إبراهيم عادل، أشرف البحطيطي، رولا عطاالله، وسهي زكي، وياسمين مجدي، وهاشم مصطفي، وندي إبراهيم، وليلي فوزي، وتامر فاروق، وشهد الحمزاوي. وأبدي الدكتور السيد فضل إشفاقه علي سيدة الصالون وقال إنها "مؤسِسَةً في غيبة مؤسَسَة!" وذكر أن هذا المشروع مرهون بقدرتها علي الإستمرار فيه، وأضاف أن أهمية هذا الصالون تكمن في كونه يسقط الحوائط التي شيدها النقاد بين الأجناس الأدبية، في حين أن التواصل والتراسل بين الفنون شديد القوة، وضرب بملحمة "الحرافيش" لنجيب محفوظ المثل علي هذا التواشج بين فنون الإبداع المختلفة، وحيا إهتمام هذا المختبر بتقديم النماذج القوية من الشعر العمودي الذي بات متهمًا في أيامنا بالتخلف، ووصف هذا الشعر بالجواد الرابح في نهاية السباق، واتهم الحركة الشعرية علي امتداد نصف قرن كامل بأنها لم تقدم شيئًا جديدًا عندما فرطت في الغناء.. أهم مقومات القصيدة، الذي اعتبره أصل الشعر، كما أن أصل الغناء هو الشعر. وأتصور أن هذا الرأي سيفتح النيران من كل حدب وصوب علي قائله.