نجح القائمون علي مهرجان الدوحة المسرحي الثاني في إعادتي أكثر من خمسة وثلاثين عامًا إلي الوراء عندما جمعوني بزملاء الدراسة ممن وفدوا إلي مصر لدراسة الفن بأكاديميتها وعادوا إلي وطنهم ليصنعوا الحركة المسرحية في قطر، وفي مقدمتهم الدكتور مرزوق بشير مرزوق، مدير إدارة البحوث والدراسات بوزارة الثقافة والفنون والتراث، والدكتور حسن رشيد، الكاتب والناقد المسرحي، والفنان محمد أبوجسوم. وكان المهرجان فرصة لاستعادة ذكرياتهم في مصر التي لم تفارقهم حتي الآن علي الرغم من أن بعضهم سافر إلي الغرب وحصل من أهم جامعاته علي أعلي الشهادات. وقد اكتشفت أن مخرج العرض المسرحي الذي كلفت بالتعقيب عليه هو فيصل ابن صديقي حسن رشيد، وأنه في نفس اللحظة التي يقدم فيها عرضه لمسرحية (العرس الوحشي) كان قد طار إلي لندن لتقديم مشاهد من رائعة شكسبير (عطيل) في مهرجان شكسبير السنوي. وقد لفتني وعيه وهو يجسد نص الكاتب العراقي فلاح شاكر الذي اعتبرته امتدادًا لتوفيق الحكيم ومسرحه الذهني، فهذه المسرحية التي تتوالي أحداثها في خمسة مشاهد هي أقرب إلي العصف الذهني حول قضية مأساوية تتعلق بإغتصاب جندي أمريكي لفتاة عراقية في الرابعة عشرة من عمرها مما أدي إلي إنجابها لطفل منه. تبدأ المسرحية بلحظة لقاء هذا الطفل بها لأول مرة بعد أن أصبح شابًا يافعًا علي متن سفينة جانحة علي وشك الغرق، وقد عجزت عن النظر في عينيه لأنها كانت تري فيهما نفس عين مغتصبها في ذات الوقت الذي يرفض الابن أن يناديها بأمي في إشارة واضحة إلي اختلال العلاقة بينهما. وقد أخذت علي المخرج إعمال مقص الرقيب في نص فلاح شاكر عندما لم يشر علي خشبة المسرح من قريب أو بعيد إلي هوية مغتصب الفتاة، وإلي أن أحداث المسرحية دارت في بغداد. وقد أثنيت علي إسناده دور البطولة في هذه المسرحية إلي ممثلة نجحت في تجسيد هذا الدور الملتبس، وهي الفنانة حنان صادق. كان المهرجان فرصة للتعرف علي واقع المسرح القطري الذي يولي اهتمامًا كبيرًا لمعالجة القضايا المتعلقة بالحياة الاجتماعية وتحولاتها في هذا البلد سواءً في زمن الصيد والبحث عن اللؤلؤ، هذا النشاط الذي تأثر كثيرًا بإستخراج الذهب الأسود واستزراع اللؤلؤ بمنأي عن الخليج، أو في يومنا هذا من خلال قضايا الشباب والمرأة في المجتمع. وعلي الرغم من أنه مهرجان للمسرح المحلي إلا أننا التقينا في رحابه بعدد من فناني المسرح المغربي والتونسي والسوري والعراقي والخليجي فضلًا عن فنانينا المصريين وأبرزهم نبيلة عبيد ومحمد متولي. في حفل الافتتاح قام وزير الثقافة، حمد بن عبدالعزيز الكواري، والأمين العام لوزارة الثقافة والفنون والتراث، مبارك بن ناصر آل خليفة، بتكريم عدد من رواد المسرح القطري من بينهم: الفنان صلاح درويش وتسلم درع التكريم نيابة عنه الفنان ناصر عبدالرضا، والفنان جبر الفياض، والفنان عبدالعزيز جاسم، والكاتب والمخرج عبدالرحمن المناعي الذي كان عرض الافتتاح من إبداعه كما خصصت حلقة دراسية حول منجزه وعرض خلالها فيلم تسجيلي من إخراج أمينة البلوشي عن حياته وإبداعه في مجالات كثيرة مثل التصوير الضوئي والكتابة المسرحية والإخراج الدرامي. كما تم تكريم أعضاء لجنة التحكيم التي تضم: رئيس اللجنة فهد السليم، رئيس المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، والأعضاء: محمد البلم، رئيس مجلس إدارة المركز الشبابي للفنون المسرحية، وسيار الكواري، وسامي الجمعان، وسليم الجزائري. وقد أطلعني صديقي الدكتور مرزوق بشير، المشرف علي إصدار النشرة اليومية للمهرجان، علي العديد من المشروعات التي تنهض بها إدارة البحوث والدراسات بوزارة الثقافة والفنون والتراث ومنها إصدار أول دليل للمؤلفين القطريين وإصدار الترجمة العربية لمحاضرات أدباء العالم الفائزين بجائزة نوبل في ما بين عامي 2000 - 2010.