الجمعة: في ذلك الزمن الغابر الذي سيطر فيه الشيوعيون علي اخبار اليوم، وكانوا يصدرون مجلة آخر ساعة بغلاف احمر.. ياللسذاجة! وكنت اعمل بهذه المجلة بالقطعة.. وكان مصطفي أمين في السجن.. وعلي امين مغتربا في لندن.. وكنت استعد للسفر الي لندن عندما جاءني الاستاذ الكبير احمد رجب منحه الله الصحة وطول العمر وهمس لي.. انت مسافر لندن؟ قلت مؤكدا: نعم.. اجاب: »اصل خيرية خيري حتتجنن عايزة تطمئن علي علي أمين.. وطبعا كل التليفونات والجوابات مراقبة«.. ومن المعروف ان خيرية كانت صحفية في الاخبار وزوجة لعلي امين وأردف احمد رجب يقول: »طبعا حتشوف علي بك؟«. وأجبته وانا اهز رأسي مؤكدا: »طبعا طبعا«.. في مطار »هيثرو« في لندن كان ينتظرني كالعادة كلما سافرت اليها صديقي المخلص الكاتب احمد عثمان الذي اصبح الان من كبار مؤلفي الكتب بالعربية والانجليزية في لندن ما ان جلست الي جوار احمد في سيارته حتي قال لي:» اوعي تفكر تشوف علي امين«.. فأجبته بدهشة : »ياه.. ليه؟!« فأجاب: »المخابرات هنا قد مصر عشر مرات«. كانت مدة اقامتي في لندن سبعة ايام.. وفي كل صباح وانا اتناول افطاري في الفندق اكتب تحركاتي خلال اليوم. وفي كل يوم اكتب زيارة علي امين ثم اعود أؤجلها لليوم الذي يليه متأثرا بتوصية صديقي احمد عثمان. وهكذا مرت الستة ايام الاولي بسرعة وزيارة علي امين تملأ رأسي.. ولا تتحقق.. في اليوم السابع والاخير.. وانا جالس في العشاء بدعوة من احمد عثمان وزوجته في احد المطاعم العامة.. فجأة وجدتني اقف.. ونظر لي احمد صائحا: »ايه دي انت رايح فين؟«.. اجبته بسرعة »التواليت« وصاح احمد.. »لأ طبعا انت رايح لعلي امين او حاتكلمه في التليفون«. قلت: »يا راجل دا احنا طلبنا الاكل فعلا.. جري ايه يا أحمد؟!«.. وهكذا اتجهت الي التليفون وبحثت عن رقم تليفون فندق »ماي فير« الذي كان يقيم فيه علي امين.. وطلبته وجاءني صوته »مين بيتكلم؟« قلت »احمد صالح يا علي بك«.. وصرخ علي امين: »انت فين.. هنا في لندن؟«.. قلت »في البيكاديللي« وصرخ »تعرف تيجي«؟ وأجبت »طبعا«.. فقال »ارمي نفسك في تاكسي وقل له الماي فير«. وكأنني احد ابطال مسرح العرائس اتحرك بجاذبية خاصة.. وألقي نفسي في تاكسي مرددا: »ماي فير«. وفي بهو الفندق رفعت سماعة التليفون وطلبت مستر امين.. وجاءني صوته: »انت جيت.. حا استناك علي باب الاسانسير«.. وفي الدور الرابع فتحت باب المصعد.. فوجدت علي امين بكل ضخامته وعظمته يفتح ذراعيه عن اخرهما ويأخذني في حضنه.. واكاد اسمع الي الان دقات قلبه القوية علي اذني.. لم تكن فرحته بي شخصيا.. وإنما بمصر.. وبأخبار اليوم. في حجرة علي امين وكانت شرفتها تطل علي الشارع.. تناولنا العشاء.. وقضينا ما يقرب من ساعتين ونحن نتحدث عن مصر.. وعن أخبار اليوم وعن لندن.. وعن مصطفي امين ومحاكمته.. وعن آمال علي امين في العودة الي بلاده.. وكيف سيتم ذلك؟. وعندما علم انني سأغادر لندن في الصباح.. قال معاتبا »كان لازم تيجي لي من زمان«. وفي الطائرة اثناء عودتي.. كنت افكر كيف ومتي ألتقي بخيرية او احمد رجب.. وأحاول ان اقنع نفسي الا يكون ذلك في اليوم التالي مباشرة.. حتي لا ينكشف امري لدي المخابرات اذا كانوا يطاردونني فعلا.. لكن »الفينالة« يبدو انها كانت من اخراج مخرج الاثارة ألفريد هيتشكوك.. نعم كانت نهاية هيتشكوكية جدا.. فقد كان اليوم هو اول رمضان وكنت مدعوا علي الافطار عند بعض الاصدقاء.. وكعادتي دائما اصل الي الموعد متأخرا ربع ساعة.. وبالفعل كنت احاول ان اخترق شوارع المدينة من وسطها كي اصل اسرع.. خاصة وان الشوارع فاضية جدا لان المدفع ضرب.. واتجه كل الناس الي الافطار بمن فيهم رجال المرور.. ورغم سرعة سيارتي الخنفساء »فولكس واجن« الا اني استطعت ان ألمح خيرية خيري شخصيا تسير بخطواتها السريعة علي الرصيف.. فضغطت علي فرامل السيارة بعنف.. وعدت بظهري بها لألمح خيرية تدخل من باب مكتبة الانجلو المصرية.. توقفت بالسيارة في الممنوع طبعا.. ونزلت منها منطلقا الي المكتبة.. ودخلت لأجد ان البائع وزميله قد فرشا جورنالا علي منضدة ووضعا طعام الافطار في عدة اطباق.. وصاح احدهم: اتفضل.. قلت شكرا: »انا حا أبص علي كتاب«. ودخلت لأجد صفوفا من الارفف المفتوحة.. وابحث بينها عن خيرية الي ان رأيتها عند الصف الاخير.. وقد فتحت مرجعا وراحت تتأمل المكتوب واقتربت منها في هدوء.. وهمست: مدام خيرية؟.. ونظرت نحوي ثم انتفضت وهي تصرخ صرخة مكتومة: أحمد.. انت جيت؟ قلت: سيبي ده دلوقتي وتعالي نقعد في حته. اجابت: لالا ما ينفعش.. شفت علي؟ قلت لها: زي القمر.. وجميل.. وباعت لك قبلاته.. واشوفك بكرة في الجورنال.. وخرجت سريعا من المكتبة الي سيارتي لأجد شرطي المرور يقول لي »مخالفة يا سيد.. « وقلت له معلش انا كنت بادور علي كتاب انجليزي اسمه »هيتشكوك«.. فقال لي »كل سنة وانت طيب«. استغاثة الي وزير الصحة السبت: كان يمكن ان نسكت علي المغالاة في طلب نفقات العلاج بالمستشفيات الاستثمارية من المواطنين اذا كانت تقدم خدمات طبية متكاملة وسليمة.. اما وأن المستشفيات تخطيء في علاج المريض بعد اجراء عملية ناجحة لاستئصال القولون وتتسبب في سلسلة من الاخطاء والمضاعفات التي تعيد المريض الي العناية المركزة في غيبوبة كاملة وتحت الاجهزة.. ويستمر الوضع شهرا وحتي الان.. ثم تطالب اهل المريض كل يوم خلال الشهر بآلاف الجنيهات تصل حاليا الي 000051 جنيه »والعداد مازال يعد« مع اعتراف المستشفي بالاخطاء. ولاتتنازل بتخصيص هذه النفقات مع انها المتسببة في تزايدها بهذا الشكل الجنوني والجشع. وتحت يدي اسم المستشفي الاستثماري بالاسكندرية.. وهو تحت امر معالي وزير الصحة وسعادة نقيب الاطباء عند طلبها.. ولعل المسئولين يتدخلون لاتخاذ الاجراء المناسب رحمة بالمرضي وأهاليهم. ام هو مرض.. وخطأ.. وخراب بيوت!! رحيل الاثنين : بعد أن كتبت اليوميات السابقة ودفعت بها إلي المطبعة .. جاءني الخبر الحزين بوفاة رفيق عمري الذي واجه هذه الأهوال وهو اللواء بحري سامح حسين فرج وإن لله وإن إليه راجعون.