د.م نادر رياض علمنا التاريخ أن لكل دولة رجالها الذين تحفظهم في سجل شرف ليظلوا منارة تضيء الطريق لمن بعدهم. فعلي المستوي العالمي يذكر التاريخ الاقتصادي الالماني لودفيج ايرهاد الذي أقام الاقتصاد الالماني من كبوته. ليستعيد تماسكه ويقيم الصناعة الألمانية كأفضل ما يكون في غضون سنوات قليله من استسلام ألمانيا دون قيد أو شرط في نهاية الحرب العالمية الثانية مستغلاً خطة مارشال التي أتاحتها الولاياتالمتحدة للحكومة الألمانية في مرحلة ما بعد الحرب ليجعل هذا الرجل من الاقتصاد الالماني أقوي اقتصاد في أوروبا متفوقاً علي الاقتصاد البريطاني والفرنسي الذي أحرز النصر علي ألمانيا، كما سجل التاريخ للمستشار هيلموت كول الفضل في توحيد الألمانيتين ومن بعد ذلك إقامة الوحدة الأوروبية وتوحيد عملتها قبل أن يترك منصبه ويتواري عن الأضواء. أما عندنا في مصر فسوف يذكر التاريخ في سجل الخلود أمجاد عبد الناصر من تأميم قناة السويس ودحر العدوان الثلاثي وبناء السد العالي بأيد مصرية ممثلة في شركة المقاولون العرب وعثمان أحمد عثمان ومن بعد ذلك ثورة تصنيع مصر بإقامة الخطة الصناعية الكبري باقتصاد مملوك للدولة عرف بالقطاع العام الصناعي الذي أصبح بعد ذلك منصة انطلاق للصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والصناعات المتوسطة والخفيفة ايضاً التي شملت مصانع الألمونيوم والنحاس والكابلات والأسمدة والصناعات الكيماوية والهندسية والتعدينية مما حقق الاكتفاء الذاتي والحفاظ علي ثبات الجنيه المصري لسنوات طويلة، وما كان لتلك النهضة الصناعية أن تتحقق لولا أن اعتمد فيها عبد الناصر والدكتور عزيز صدقي علي كوكبة من المهندسين المصريين الذين استطاعوا تطوير أنفسهم في غضون سنوات قليلة ليصبحوا من الرواد الصناعيين بعد أن استكملوا مهاراتهم في فنون الإدارة المالية والاقتصادية وتطوير الأعمال والتنمية البشرية المستمرة للكوادر الصناعية التي تشكل الكتيبة الصناعية الأولي آنذاك، ثم جاءت الطامة الكبري مع حدوث زلزال النكسة حيث سحبت الدولة كل اهتماماتها عن الصناعة وحتي طموحاتها في التصنيع الحربي من طائرات القاهرة 300 والميج 21 والصواريخ القاهر والظافر لتكتفي ببرنامج إعداد الدولة للحرب ويسقط عن اهتماماتها ما دون ذلك فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وقد عبر بنا التاريخ من عصر عبد الناصر الذي لم يمهله القدر ليعبر بنا من الهزيمة إلي النصر ليتولي بعده ابن مصر أنور السادات مرحلة الكفاح ليعبر بنا من الهزيمة إلي النصر ويحرر قناة السويس منتصراً في معركة الحرب ويتبعها النصر في معركة السلام وكان أول ما أعلنه وهو في زهوة النصر أن صرح بأن خطة العبور كانت من وضع الزعيم عبد الناصر والتي عرفت باسم "الخطة شرارة" وأن كل ما فعله أن قام بتنفيذها رغم أن الجميع يعلم أنه أدخل الكثير من التعديلات عليها.. فكم كان السادات عظيماً في تواضعه وشموخ هامته. وتبع ذلك النصر في معركة السلام ليتحرر التراب المصري بالكامل نافضاً تراب الذل والمذلة عن جبين مصر ليفتح الباب بعد ذلك أمام التنمية الاقتصادية عن طريق الانفتاح الإقتصادي بمفهومه الحديث مطلقاً آلياته بالكامل من بنية تحتية ومدن صناعية بلغت 54 مدينة صناعية إبان ذلك،وبذا إنحسر المد عن اقتصاد الدولة الموجه ممثلاً في القطاع العام ليبدأ إحلاله بالاقتصاد الحر ممثلاً في القطاع الخاص الجديد وتشجيع الاستثمارات الخارجية الوافدة لكل ما تحمله من تكنولوجيات متقدمة وكل مستحدث وجديد من وسائل الإنتاج المتطورة.. يتمحور حديثنا الآن حول ما لا يجب إهداره مما تبقي من خطة تصنيع مصر الأولي وهي القلاع الصناعية المملوكة للدولة والتي أصابها التقادم والإهمال لكنها بقيت حجر زاوية لتحقيق الانطلاقة الصناعية باعتبارها من قواعد البنية الأساسية للنهوض بالصناعة المصرية وهي مهمة ثقيلة من حيث تكلفتها المادية إلا أن إهدار تلك القلاع ستفوق تكلفته السلبية بمراحل التكاليف اللازمة للتحديث والهيكلة. وهذا الأمر يؤكد المقولة المتعارف عليها من أن ما لا يؤخذ كله لا يترك كله وإيقاف نزيف الإهدار فيما تم قبل القطاع العام الصناعي يحتم علينا الاهتمام بكل ما يمكن إنقاذه واستنهاضه من مكونات البنية الأساسية المملوكة للدولة وللشعب والتي تحتاجها الصناعة المصرية للمرحلة القادمة حتي لا تعود للمربع رقم صفر ونتباكي علي اللبن المسكوب. وفي وصف المحطة التي يمر بها قطاع الصناعة المصرية مستشرفاً واقع الحال بكل حيده وشفافية يسرد الايجابيات المتمثلة في كذا وكذا وكذا لكنه لا يسقط السلبيات المتمثلة في كذا وكذا وكذا والتي تشكل قفصاً يحد من قدرة الصناعات المصرية للانطلاق محققة ما نصبو إليه وتسمح به إمكانياتها المادية والفكرية إذا تحررت من القيود التي تحد من تلك الإمكانيات.. لذا آن الأوان لتسقط الأقنعة والحواجز الوهمية وتخرج الصناعة المصرية من القفص لتحقق ذاتها وتصنع لها مكاناً تحت الشمس وتصبح كلمة صنع في مصر شهادة جودة قبل أن تكون شهادة منشأ..... وإلي لقاء متجدد نتواصل فيه حول القلاع الصناعية المملوكة للدولة.