فور اغتيال الزعيم اليساري التونسي المعارض شكري بلعيد، احد ابرز قادة ائتلاف الجبهة الشعبية التي تأسست في اكتوبر الماضي وتضم 13 حزبا، اتجهت اصابع الاتهام الي حزب النهضة الحاكم بزعامة راشد الغنوشي. ويرجع ذلك الي عدة اسباب: اولا: ان هذا الحزب يضع في مقدمة اولوياته ارساء بنيان حكمه والتنكر لمطالب الثورة التونسية التي فجرت الربيع العربي، واعادة انتاج النظام القديم وخلق جهاز دولة داخل الدولة يكون موازيا للسلطات التشريعية والتنفيذية والمالية، واتمام السيطرة علي مفاصل السلطة، رغم ان هذا الحزب يحتل 89 مقعدا فقط من اجمالي 217 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي، وخاصة بعد ان اعلن راشد الغنوشي في اكتوبر الماضي ان الجيش والداخلية والادارة »غير مضمونين«، كما ان الحزب الحاكم بذل كل ما في وسعه لكي تكون السلطة القضائية تابعة له ولكي يحد من هامش الحرية.. الي جانب خضوع التشكيلات والتعيينات الادارية لمنطق المحسوبية والمحاباة والمحاصصة الحزبية والعلاقات العائلية والجهوية مما جعل ما تبقي من جهاز الدولة اشبه بالغنيمة التي يتنافس المنتصرون علي اقتسامها.. وكل ذلك علي حساب الكفاءة، حتي ان حزب النهضة يتمسك ببقاء وزير خارجية فاجأ الجميع باعتقاده ان اسطنبول هي عاصمة تركيا وان »سيشل« هي مجموعة دول »وليست مجموعة جزر!!«. وما زال الرجل يحتفظ بمنصبه لانه صهر زعيم الحزب!! ثانيا: قيام الحزب الحاكم بتشكيل ميليشيا من البلطجية تحت اسم »رابطة حماية الثورة« للدفاع عنه وتأديب معارضيه بقوة العضلات وفي ظل سطوة الائمة والفتاوي الدينية. وقد تورطت هذه الميليشيا في جرائم متعددة تحت شعار تطبيق الحدود والمطالبة بتعدد الزوجات وتشريع نظام الجواري! ثالثا: رغم ان تحالف حزب النهضة مع حزبي »التكتل من اجل العمل والحريات« و»المؤتمر من اجل الجمهورية« ساعده علي تشكيل الائتلاف الثلاثي الحاكم.. الا ان التعاون الوثيق بين »النهضة« والسلفيين.. اطلق العنان لجموح العنف السلفي الذي يستهدف هيئات مدنية ومؤسسات عامة، وقيام الجماعات الدينية المتطرفة بتقسيم المجتمع بين اسلامي وعلماني، علي حد تعبير الكاتبة التونسية آمال موسي. وكان السلفيون يوجهون الاتهام - دائما- الي شكري بلعيد بانه ملحد ويدعون الي قتله. وتتردد انباء منذ يومين حول اعتزام سلفيين نبش قبر بلعيد واخراج جثمانه بدعوي انه كافر ولا يجوز دفنه في مقابر المسلمين! وطالما دافع بلعيد عن المسجونين السلفيين ايام النظام السابق!! ويتهم كثيرون حزب النهضة بانتهاج سياسة مزدوجة، لانه يتساهل مع استخدام العنف كأداة سياسية، وينشر مناخا من الخوف، ويطالب باطلاق سراح المقبوض عليهم بتهمة قتل احد النشطاء. رابعا: لم يكن شكري بلعيد يترك فرصة لاتهام الجماعات الدينية المتطرفة، وعلي رأسها حزب النهضة الاسلامي، بالسعي الي الاستئثار بالحكم وجر البلاد الي العنف السياسي. وكان خطابه السياسي صريحا ومباشرا، الامر الذي ازعج اعداء القيم الديمقراطية وحقوق الانسان. ومن هنا تجمع اسرة شكري بلعيد وزوجته »بسمة الخلفاوي« علي ان راشد الغنوشي وراء اغتيال داعية الدولة المدنية الليبرالية، لان الغنوشي دعا الي العنف وتستر عليه وتولي حماية »رابطة حماية الثورة« التي ترتكب العديد من اعمال العنف، كما ان بلعيد تلقي العديد من التهديدات بقتله، وفي يوم 28 يناير الماضي، اتهم بلعيد حزب النهضة بانه يشرع للاغتيال السياسي، وان هذا الحزب يستخدم مرتزقة لشن هجمات علي اجتماعات المعارضة. هل اصبح شكري بلعيد مزعجا لقادة التطرف الديني في تونس الي درجة تستوجب قتله؟ وهل ذلك ما يفسر الهتاف الذي تردد في جنازته التي شارك فيها مليون ونصف مليون مواطن: »غنوشي يا سفاح يا قاتل الارواح«؟ وهل يمكن ان تتكرر هذه الجريمة في بقية دول »الربيع العربي« مع انتشار فتاوي قتل المعارضين للديكتاتورية والتطرف الديني؟ اغتيال شكري بلعيد.. سابقة خطيرة في تاريخ تونس، الذي لم يعرف جريمة بهذا الحجم منذ اكثر من ستين سنة. ومن هنا نستطيع ان ندرك ابعاد الغضب الشعبي في تونس وان نتوقع احتدام الصراع السياسي هناك. كلمة السر.. احترام الرأي الآخر