في حفل رفيع المستوي وان أطرته نغمة حزن شفيف تم توزيع جوائز ساويرس الادبية مساء السبت الماضي في المسرح الصغير للأوبرا، بدأ البرنامج بأغنية رائعة كتبها الابنودي بعد هزيمة يونيو وكانت ضمن ردة فعل مضادة لمبدعي الأمة تصديا للأمة، شدا صوت جميل، لعله الابدع بعد عبدالحليم الذي مازال ماثلا في الذاكرة، المطرب الجديد اسمه شريف عبدالمنعم في الخلفية شاشة ضخمة لجماهير الثورة وصورة ضخمة للابنودي، الاغنية كتبها عام سبعة وستين. ويقول مطلعها الذي اطلق حالة من الشجن العميق سيطرت علي الحفل، »عدي النهار والمغربية جايا تتخبي ورا ضهر الشجر وعشان تتوه في السكة شالت من ليالينا القمر وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها جانا نهار ما قدرش يدفع مهرها..« الابنودي موقف نادر في تاريخ مصر، وفي مسيرة الشعب، يمكن تأريخ ما مرّ به الشعب المصري علي امتداد سبعة عقود حافلة منذ ان بدأ مسيرته اوائل الستينيات، ومن معزله الصحي في الاسماعيلية، ورغم ظروفه الصحية الوعرة انشد للميدان وللثورة في مصر. ومع حيدة الاحوال عن طريقها برز كشاعر مقاومة عظيم من خلال الشكل الفريد الذي اهتدي إليه للتوفيق بين آنية الاحداث وجوهر الشعر الرفيع، اعني تلك المربعات التي تتدفق من ينابيعه الثرية والتي يستند خلالها الي تراث شعبي يعرفه جيدا خلال سعيه لجمع وتوثيق ملحمة الهلالية وهذا جهد يعادل انجازه الشعري، اما مسيرته في الاغنية فتحتاج الآن إلي جمعها في ديوان الاغاني وسنفاجأ بنصوص شعرية رائعة، هي المربعات تتدفق من نبع ثري مقاوم، وفي البداية كنت اتساءل: كيف سيستمر ولكن الفيض غزير واحيانا ينشر في يوم واحد ما يقارب ديوانا صغيرا ما بين الابنودي والشعب العظيم الذي مازال يقاوم ويثور صلة قوية عرف كيف يحتفظ بها رغم المرض. والاقامة فيما يشبه المعزل القسري، لذلك يستحق ان يكون شاعر الامة بجدارة لمواقفه ولرفعة شعره ولنقاء بصيرته، المربعات تحتاج إلي وقفة طويلة متأنية لتأمل تلك القدرة علي التوفيق بين العابر والدائم، بين النسبي والمطلق، بين اليومي والابدي، من اروع ما قرأت المربع التالي الذي ارشحه نشيدا للإنسانية الثائرة في كل الامكنة والازمنة. »نفسكم تكممونا والوطن يسكن سُكاته مش حنسكت فاقتلونا ما حناش أغلي م اللي ماتوا«