خلال الأسبوع الماضي، بادرت غالبية الأحزاب والقوي السياسية بمقترحات للخروج من الأزمة الراهنة، وقد توجت هذه المبادرات بملتقي وطني في الأزهر تحت مظلة الالتزام المشترك بوقف العنف، ولكنه كان من الملاحظ إعلان بعض الأطراف تحفظه علي ملتقي الأزهر ووثيقته، كما هناك جانب آخر من الموقعين علي الوثيقة ذهب إلي أنها معنية فقط بوقف العنف، وهذا إدراك يمكن التوافق معه، لكنه من المهم استكمال مسار المشاركة في الملتقيات السياسية لوضع أجندة مشتركة للحوار الوطني . فليس من الحكمة أن تنفض فقاعة المبادرات دون الوصول لأرضية مشتركة تكافح وتناضل من أجل الاستقرار واستكمال البناء الديمقراطي، فلقد تفاجأنا الأسبوع الماضي بالعديد من المبادرات والمقترحات للخروج من الأزمة السياسية، وهو ما يعبر في أحد جوانبه عن خصوبة سياسية، وذلك إذا ما تجنبنا الخيالات والجوانب السلبية التي تحيط بالبيئة السياسية منذ فترة ما بعد اندلاع الثورة قبل عامين. ورغم ما تضمنته بعض المبادرات من مغالاة وتباين واضح، فلن يعدم المفكرون والسياسيون السعي لتكوين وبلورة المساحات المشتركة التي يتلاقي حولها كل الأطراف ، فمن المهم في هذه المرحلة الخروج من الرفض الكامل أو التطابق التام، فاستمرار هذا الوضع يعبر عن حالة احتقان وسلبية شديدة لا يمكن الخلاص منها سوي طرح مسارات سياسية وسلمية للأزمة الراهنة . إن ما نشهده يعكس حالة من التفكك والتناقض تعتري المشهد السياسي، فالتناقضات المتعلقة بممارسة حق التظاهر وغياب ضوابطه وتحوله للعنف تكشف عن اهتزاز وضعف المناخ السياسي عن استيعاب التحولات العنيفة التي تشهدها البلاد ومحاولة حلها وفق إطار التفاوض بين الأطراف المختلفة وفي إطار القانون، حيث شاهدنا خلطا واضحا بين الحق في التظاهر والقيام بأعمال عنيفة ضد مؤسسات الدولة، هذا الوضع يشير إلي أن هذه الظواهر لا ترجع فقط لغياب هيبة الدولة أو نقصان الوعي الثوري وإنما ترجع أيضا إلي ارتباك المسار الثوري، وبغض النظر عن العوامل التي أدت للارتباك والجهات المسئولة عنها، نكون أمام مشهد يتطلب الإنقاذ السريع لوقف التداعيات المحتملة للعنف الذي شهدته الاحتجاجات خلال الأيام الماضية والمستمرة لعلنا ندرك أن هناك صعوبات تواجه الحوار الوطني، لا تتمثل في محتوي المبادرات بقدر ما تتمثل في التعصب وتصلب المواقف السياسية، فالمطلوب من جميع الأطراف الاهتمام بصياغة البدائل القابلة للتنفيذ، هذه الصعوبات لا يمكن الوقوف أمامها مكتوفي الأيدي فيما تتفاقم الأزمة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار المصلحة الوطنية، فإنه يمكننا القول، إنه لا توجد مصلحة لأي طرف في الاستمرار في حالة القلق السياسي، فمن جهة سوف لا يتمكن طرف من إزاحة طرف آخر، ومن جهة أخري تبدو قاعدة أنه في ظل الصراع يصير الكل خاسرا. فمع طول الفترة لا يمكن الاعتماد علي الحلول التقليدية أو الأمنية، حيث إن المجتمع يواجه نوعا من المشكلات المعقدة يصعب التعامل معها في ظل حالة التوتر والاحتقان، فعادة ما يصاحب حالة عدم الاستقرار ضعف في أداء السياسات العامة وتركز الحكومة جهدها علي معالجة تداعيات التوتر فيما أن الحاجة تزداد لتوصيل الخدمات للمواطنين. هنا لا يعفي طرفا ما، في هذه المرحلة، من تحمل المسئولية التاريخية في المساهمة في خلق الشراكة الوطنية لوقف العنف وبدء الحوار الوطني لبناء الدولة، ففي ظل ارتفاع مستوي العنف أيا كان مصدره صارت هناك ضرورة للاهتمام بالحلول السياسية للمشكلات العالقة بين الأطراف المختلفة، وخاصة ما يتعلق منها بالدستور والحكومة وقانون الانتخابات، وغيرها من نقاط الاختلاف التي تتطلب اجتهادات مبتكرة، فإن التباعد الحالي لا يحقق مصلحة معتبرة، يمكن البناء عليها.