يبدو أن الرياح- دائما- تأتي بما لا تشتهي السفن.. فقد كتبت الأسبوع الماضي في هذا المكان.. مطالبا بضرورة الاحتفال بذكري الثورة وبما يليق مع ما ضحي شهداؤها من أجله.. نحو غدٍ أفضل لمصر.. ولكننا فوجئنا بموجات عنف غير مسبوقة تمتد إلي جميع الميادين في المحافظات المصرية.. سالت بسببها دماء مصرية كثيرة طاهرة.. وبدا الأمر وكأننا في حرب أهلية أو نتعرض لكوارث طبيعية شديدة القسوة. فما الذي يحدث في مصر؟.. ولماذا؟.. شباب متحمس منفعل يفرغ طاقات غاضبة بالاعتداء علي الأشخاص وحرق المنشآت وزعامات وهمية طامعة في الحكم.. وقوات الأمن مغلوبة علي أمرها.. جهودها مشتتة وإمكاناتها ضعيفة، وعلي خلاف واضح مع قادتها.. ومن ثم لم تستطع مكافحة الشغب ووقف عمليات الحرق والنهب التي تقوم بها مجموعات مجهولة الهوية.. خارجة عن القانون.. تحت مسميات غريبة ومختلفة كل هذا.. وهناك مواطنون "يتفرجون" علي ما يحدث وكأن الأمر لا يعنيهم.. مع أن ممتلكاتهم العامة تحترق.. وثرواتهم التاريخية تنهب من المتاحف والقصور.. فهل عدنا للمثال القديم الذي يحكي إنه قيل لجحا أن النار تحرق المدينة فرد بأنها مادام بعيدة عن منزله.. فلتأت النار علي الأخضر واليابس! ألا يعلم الجميع أن النار عندما تشتعل وتتوهج لا تكتفي بالخشب والورق.. بل كثيرا ما تمتد للبشر؟.. وأن الرصاصة عندما تخرج من مكمنها.. لا تسأل ولا تهتم بمن ستصيب؟. والمعني أن من يظنون أنه بمنأي الآن عن الأذي.. بسبب بعدهم عن أماكن الأحداث المشتعلة، وتحصنّهم خلف جدران مرتفعة، فضلا عن تدرعهم ببعض الكوادر البشرية المشحونة بغضب غير مبرر، هؤلاء إذا استمر الحال علي ما هو عليه الآن.. فسوف يغرقون في دمائهم.. عاجلا أم آجلا. لقد نشأنا وتعلمنا أنه لابد من إطفاء الحرائق عندما تشتعل.. حفاظا علي الأرواح والممتلكات.. وحتي لا تتفاقم الأضرار.. ثم نسأل بعد ذلك عن الأسباب.. وعن محاولات العلاج.. هكذا كان الشعب المصري.. يسارع بدفع الضرر والمساعدة في الإنقاذ عند التعرض للخطر.. وبصرف النظر عن المضرور أو من كانت حياته في خطر.. إنما هي تلقائية وشهامة المصريين الطيبين المحبين للسلام، ولكن ما نراه الآن عكس ذلك تماما.. حيث لا يكتفي البعض "بالفرجة" علي ما يحدث أمامه من اعتداءات وحرائق وعمليات سلب ونهب.. إنما يشجع علي ذلك.. وقد يشارك فيه.. وكأننا في مجال "قسمة الغرماء"! لقد أفزعتني دعوة "القادة" في جبهة الإنقاذ إلي جموع الشعب المصري بالنزول إلي الشوارع والميادين صباح الجمعة الماضية.. بحجة استكمال تحقيق أهداف الثورة!.. هذا في الوقت الذي تسيل فيه دماء مصرية عزيزة في مناطق مختلفة لا ذنب لها سوي أنها خدعت بكلام معسول ورغبات جامحة! وهو ما يعني سكب مزيد من البنزين علي النار المشتعلة. نعم.. قد لا يكون هناك رضاء تام حول ما تحقق خلال العامين الماضيين.. وأن هناك مطالب مشروعة يجب تحقيقها.. فهل يكون الطريق إلي ذلك بالعنف المسلح كما نراه الآن!! وهل الشعب كان "شارب حاجة أصفرا" عندما شارك في الانتخابات البرلمانية السابقة.. ومن بعدها الانتخابات الرئاسية؟.. وهل الأغلبية التي وافقت علي الدستور ذ رغم تحفظي علي بعض مواده ذ ليست من المصريين؟.. لقد كنا كلنا مشاركين فيما حدث وبدرجات ومواقف مختلفة.. والمقدمات السابقة أدت إلي النتائج الحالية. وإذا كنا رافضين لها.. فلا سبيل إلي تغييرها إلا بذات الأسلوب الذي تحققت به.. وهو نتائج "صندوق الانتخابات" وهو فعلا ما تسعي إليه جبهة الإنقاذ ولكن بأسلوب خطأ يتسم بالسلبية من جهة من خلال عدم المشاركة في الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية.. ويتسم أيضا بالتحريض علي العصيان المدني من خلال الدعوات المتكررة للتظاهر في الميادين والذي اتسم بالعنف غير المبرر خلال الأيام الماضية. فيا أيها المختلفون.. تعالوا إلي كلمة سواء.. وأنقذوا مصر.. وأوقفوا نزيف دماء أبنائها.. فسوف يحاسبكم الله.. والأجيال القادمة علي ما تفعلونه ببلدكم وشعبكم.. وقانا الله شر "الفتنة" المفتعلة.. وحمانا من شرورها.