لقد تحققت دعوة ابراهيم وبشارة عيسي بخاتم الانبياء الذي اختاره الله خيارا من خيار ليكون بشيرا بالدعوة الي الوحدانية داعيا الي عبادة الاله الواحد الذي لا شريك له ولان ارادة الله فوق كل الارادات راح محمد ينمو في كنف مرضعته الاولي ثويبة بنت بركة الي ان جاءت حليمة بنت ذؤيب السعدية وحملته معها لتكون مرضعته الثانية ومربيته. فعاش معها رغم قلة حيلتها فزادت حياة اسرتها بركة وخيرا بقدوم الرضيع الذي كان فأل خير علي الاسرة الفقيرة وكانت الشيماء ابنة حليمة تعتني به مع امها وكان دائم اللعب مع اخيه في الرضاعة ايمن ابن حليمة السعدية المكناة باسم »ام ايمن« ويصير يتيم الاب مصدر الخير الذي يعم الاسرة وكان الطفل قد بلغ من العمر الاعوام الستة لتأخذه امه معها الي المدينة حيث يسكن رفات الاب عبدالله في ثراها وليزور قبر ابيه ويتعرف علي اخواله من بني النجار - ويزور الطفل اليتيم قبر ابيه في وقفة ساكنة هادئة وآمنة والام تحدثه عن ابيه البهي الطلعة الشاب الذي اودعها بذرته وسافر وعاد الي المدينة لينتهي عمره ويدفن فيها والطفل يستمع في هدوء ويزور اخواله وفي رحلة العودة من المدينة الي مكة تمرض ام محمد »آمنة بنت وهب« وتلقي وجه ربها ليسكن جسدها ثري الأبواء ليصير الطفل يتيم الابوين وتعود ام ايمن - حليمة السعدية تحمل محمدا الذي بكي كثيرا علي فراقه لامه »آمنة بنت وهب« التي لم يتمتع بها وبحنانها ويصاب الطفل محمد بفراق جده عبدالمطلب الذي وافته المنية ايضا بعد امه بسنتين او ثلاث.. الامر الذي احزن الطفل محمداً كثيرا وتكفل العم ابوطالب بابن اخيه عبدالله وعاش محمد في كنف عمه الذي احبه كما كان جده يحبه واحبته فاطمة بنت اسد زوجة ابي طالب وصار عندها كأحد ابنائها فقد حلت بركته علي بيتها بمجرد ان بقي محمد فيه يرعاه عمه ولما حان وقت الرحلة التجارية لعمه طلب محمد ان يرافق عمه في رحلته لكن العم ابا طالب اشفق علي ابن اخيه من قسوة الطريق ولهيب الصحراء لكن محمدا ابدي شديد رغبته في صحبة عمه وامام اصرار الصبي محمد انضم الي القافلة التي راحت تقطع الطريق الي الشام الي ان استراحوا في بصري ولمحه احد الرهبان وعرف ان هذا الصبي هو الذي تحدثت عنه كتبهم وانه النبي المنتظر وتأكد الراهب بحيرا من خاتم النبوة عند محمد فأوصي عمه ان يحافظ عليه من اليهود ففي كتبهم كما في كتبنا نفس البشارة به لكنهم يكرهون ان تكون النبوة من غيرهم. الجوانب الانسانية في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم: كان محمد صلي الله عليه وسلم حريصا علي تأكيد الانسانية ففي القرآن الكريم »وقالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق« وفيه ايضا »قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا« ولكنه عليه السلام المثل الكامل للانسان ولا عجب فقد أدبه ربه فاحسن تأديبه وكانت دعوته للاسلام تهدف الي الارتفاع بالانسانية الي المكان اللائق بها والبعد بالانسان عن مظاهر الرق والضعف والذل والخضوع.. ولم يكن سيدنا محمد - رغم مكانته - يتعالي علي الناس بل كان يضرب لهم المثل دائما في التواضع والرقة والعطف علي الضعيف والمسكين والبر بالفقير والمحتاج.. لقد كان محمد اعظم من الملوك وأجل من الاباطرة والاكاسرة والقياصرة ولكنه كان يقول لاصحابه: »لا تطروني كما اطرت النصاري ابن مريم انما انا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله«. وخرج مرة علي جماعة من اصحابه فقاموا له فقال: »لا تقوموا كما تقوم الاعاجم يعظم بعضهم بعضا« وكان اذا بلغ في مسيرة اصحابه جلس منهم حيث انتهي به المجلس، وكان يبدأ اصحابه بالمصافحة.. واذا لقي انسانا بدأه بالسلام ولم يكن هذا اسلوبه في حياته العامة وحسب.. بل كان اسلوبه ايضا في حياته الخاصة فقد كان في بيته يطهر ثوبه ويرقعه بنفسه كما كان يحلب شاته ويخصف نعله ويعقل البعير ويخدم نفسه ويأكل مع الخادم. وهكذا كان يضرب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم المثل الطيب للانسان في عصره وفي كل العصور كيف يكون انسانا واذا كان الغربيون يتشدقون بالحديث عن المبادئ التي اسفرت عنها الحضارة الغربية والثورات الغربية من اعلان حقوق الانسان ومن المناداة بالمبادئ الثلاثة: الحرية والاخاء والمساواة.. فقد كان العرب قبل الاسلام يعبدون آلة عدة يعبدون اصناما لا تملك لهم ولا لنفسها ضرا ولا نفعا وجاء محمد بثورته الاسلامية يدعوهم الي التخلص من هذه الخرافات جميعها يدعوهم الي التحرر من قيود هذه العبادات فلا يعبدون الا الها واحدا هو خالقهم وخالق الناس أجمعين.. واذا كان لكل ثورة قامت في التاريخ فلسفة ورسالة فان فلسفة الثورة الاسلامية ورسالتها كانت الدعوة الي الحرية بجميع أنواعها وكانت الدعوة الي الوحدانية فالاسلام دعا الناس الي التحرر من الخوف فلا اصنام ولا اوثان ولا كهان وانما اله واحد لا شريك له امامه وحده يسأل الانسان عما قدم من خير او سر.. واعماله وحدها هي المقياس وهي الشفيع وضميره وحده وهو الذي يحاسبه ويراجعه ولا سلطان لاحد او لقوة عليه وهو بعد ذلك مطالب بان يعتز بانسانيته فلا يسمح لاحد ان يهدر كرامته او ان يعتدي عليه فاي حرية اكمل من هذه الحرية والاسلام يدعو الي الاخاء والتوادد والتعاطف والايثار . كاتب المقال : الباحث في التاريخ الاسلامي