* قضي سبحانه وتعالي: أن يكون أول الأنبياء يتيما وأن يكون خاتم المرسلين يتيما.. فأبونا آدم عليه السلام هو أول الأنبياء وأول البشر وأول اليتامي.. لم يعرف معني الأبوة ولا الأمومة ولم يعرف معني الطفولة.. فقد خلقه الله تعالي رجلا.. ولكنه لم يكن مستغنيا بنفسه عمن حوله لأنه بشر.. فخلق الله له من ضلعه أمنا حواء لتؤنس وحشته وتكون له سكنا.. وكان أبونا آدم لها زوجا وأبا وسبب وجودها ولكن لم تكن لها أم. * وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كان يتيما مات أبوه عبدالله قبل أن يولد وماتت أمه آمنة وعمره ست سنوات ومات جده عبد المطلب وعمره تسع سنوات وقبل عمه أبو طالب علي مضض أن يأخذه ليربيه وكان يتمني أن يأخذه غيره لكثرة أولاده مع فقره.. وعمل الصبي محمد راعيا للغنم ومسافرا مع القوافل ليحرس الابل في محطات راحتها.. لم يترك هذا تشوهات في نفسه أو انكسارا في إرادته. أراد الله سبحانه هذا ليكون المصطفي صلي الله عليه وسلم أسوة وعبرة وعظة حتي في طفولته للناس عامة واليتامي خاصة.. حتي لا يقنطوا من رحمة الله وليعلموا أن الفوز مع الصبر.. وأن النجاح إرادة. * إن أولي العزم من الرسل الذين بعثوا بالديانات الكبري( اليهودية والمسيحية والإسلام) جمع بينهم اليتم بصورة من الصور.. فسيدنا موسي عليه السلام لم يأت في القرآن ذكر لأبيه وقد ألقته أمه رضيعا في النيل ورباه فرعون عدو الله وعدوه وترك البلاد في مقتبل شبابه وعندما عاد قتل أحد المصريين خطأ ففر من البلاد إلي مدين بفلسطين ولم يعد إلا رجلا مكلفا بالرسالة. وسيدنا عيسي عليه السلام خلقه الله بمعجزة من أم دون أب فلم يعرف معني الأبوة مثل أقرانه. * بل إن سيدنا يوسف عاني اليتم رغم وجود الأب والأم عندما ألقاه أخوته وهو طفل في بئر بالصحراء فأخذته قافلة وباعته كعبد لتاجر بثمن بخس وعاني مرارة السجن دون ذنب, ولم يخرج منه إلا وهو رجل يافع ومسئول عن خزائن مصر كوزير أول لها.. ومنقذ لأهله من مجاعة ضارية ضربت الشام وقتها! فالله سبحانه وتعالي هو الحافظ والمؤيد بنصره لمن يشاء وجعل ذلك في متناول الناس جميعا بشرط واحد هو التقوي كما في قوله تعالي : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا صدق الله العظيم * كانت أول من أرضعت سيدنا محمدا صلي الله عليه وسلم بعد أمه, ثويبة جارية عمه أبي لهب.. وكانت من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع في البادية بعيدا عن أمراض الحضر لتقوي أجسادهم ويتقنوا اللغة العربية في مهدهم. * وعندما جاءت المراضع إلي مكة أخذن المواليد ورفضن جميعا أن يأخذن محمدا لأنه يتيم بمن فيهن حليمة بنت أبي ذؤيب بن الحارث من بني سعد لذلك اشتهرت باسم( حليمة السعدية) وعندما هممن بالعودة كان مع كل واحدة رضيع وكرهت حليمة وكانت افقرهن أن تعود كما أتت فأخذت مضطرة اليتيم محمدا وقالت ما حملني علي أخذه إلا أني لم أجد غيره.. ومن أول يوم شعرت بالتغيير أصبح اللبن كثيرا شبع لأول مرة ابنها واليتيم معا ولأول مرة تمتليء ناقتها المسنة باللبن.. والأغرب من هذا في طريق العودة.. فبعد أن كانت في مؤخرة الركب علي أتان( حمارة) عجفاء إذا بها ومحمد اليتيم معها أصبحت في مقدمة الصفوف. * بعد عامين في مكة وبعد نهاية المهمة الحت السيدة حليمة السعدية بشدة علي السيدة آمنة رضي الله عنها أن تسمح لها بالعودة بالطفل محمد لما رأت من خير وتحت ذريعة حمايته من وباء بمكة فسمحت لها بأخذه مرة أخري. * وفي سن الرابعة وبينما هو يلعب مع أطفال في بني سعد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم : أتاني ملكان( في هيئة رجلين) عليهما ثياب بيض ومعهما طست من ذهب مملوءة ثلجا ثم أخذاني فشقا بطني واستخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتي انقياه. وقد قال أنس: كنت أري أثر ذلك المخيط في صدره. ولذلك عادت به حليمة السعدية فورا إلي أمه بعد أن رأت وجهه ممتقعا خوفا عليه فتعجبت السيدة أمنة خاصة أنها ألحت في أخذه من قبل, وأصرت علي معرفة السبب ولما عرفت قالت لها تخوفت عليه الشيطان؟ قالت نعم فردت عليها: والله ما للشيطان عليه من سبيل وقصت عليها الرؤيا التي رأتها وهي حامل فيه صلي الله عليه وسلم بأنه سيكون نبي آخر الزمان. * وعندما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلي الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن يرضي لرضاه ويسخط لسخطه ولم يكن فاحشا ولا متفاحشا ولا صخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. كما قالت أيضا وما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلي الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال له لبيك ولذلك نزل قوله تعالي: وإنك لعلي خلق عظيم. صدق الله العظيم [email protected]