يبدو أن الترتيب الزمني لاستعراض التماثيل التسعة جاء مفيدا للكشف عن المكنونات والمرجعيات المصرية القديمة والاسلامية فيما يتعلق بالبنية النحتية للتمثال مضافا إلي ذلك المرجعية البيئية، وعلامات العمارة التلقائية وتأثيرها المباشر في التأكيد علي الهوية الفنية للسجيني فالبناء العام للتمثال المسبوك من الخامة الأصلية البرونز وأبعاده (87*86*051سم) ويتضح فيه تألق جلال وهيبة العمارة الاسلامية، فنجد علاقة الكتلة بالفراغ الداخلي والخارجي في توافق متزن ورصين اذا ما اعتبرنا التمثال بناء كاملا يملأ الفراغ ويتحاور معه ويتكامل.. فالفتحات المضيئة داخل الكتلة ما هي الا نوافذ ينبثق الضوء منها عمقت هذا البناء وجعلته ينساب عبر البارز والغائر، والسجيني برع في تمكين عملية التهجين بين ما هو معماري وما هو عضوي.. وفي هذا السياق الإبداعي نجد القرية هي المعني الدال للجالسة التي يعلوها الهلال الساكن فوق الرأس (القبة) والكتفين والذراعين كأنهما ركائز معمارية تفصح عن جمال البيئة المصرية وشمسها النافذة من خلال النوافذ الأربع التي يتخلل بعضها مفردة (السلالم) التي تتكرر في منحوتات السجيني معلنة بجلاء فكرة الصعود والبناء وأيضا جزء هام ومتميز في فنون العمارة المصرية القديمة والاسلامية، وكانت في كثير من التصميمات توضح هيئة المبني من الخارج لاضافة إحساس محفز للصعود بالاضافة الي العلاقة الجمالية كأنها جملة موسيقية تنساب نغماتها علي جدران المنشآت، والجالسة في وضع مستقر وشامخ يحمل كبرياء أهل القرية. نجد القبو مكان القلب وبداخله سلم وعلي الجانب الأيسر بالنسبة للقبو نجد إحدي العلامات الدامغة في كثير من التماثيل التي أبدعها السجيني وكأن نهر النيل يسري في الكيان كله ونجد عمارة السيقان كانها تجويف محرابي تعلوه الركبة (القبة) شامخة في جلال، واذا تأملنا التجاويف من زوايا مختلفة نجدها سالبة العمق.. ولكن تشكل قواما بصريا وهميا ذا ثلاثة أبعاد وهذه هي العلاقة المتبادلة بين الكتلة والفراغ، وانسيابية الكتلة تتدفق منها جماليات الحس الانساني، فالقرية عندالسجيني مليئة بالرموز الدالة علي الاصالة والخير والسلام، القرية المصرية تكمن فيها ملامح الهوية المصرية لبساطة أهلها وعمق ثقافتهم الفطرية.. وتميزهم في أداء عملهم والاتقان، وهذه الصفات هي معايير تحقيق عنصر الجودة الذي يتسابق العالم علي تحقيقه، كما حظيت العمارة الريفية التي هندسها الفلاح المصري بقدر كبير من التميز والجمال التلقائي مع عمق الاستخدام.. وكانت البيوت القديمة يتوسطها »صحن الدار« وهو بهو سماوي مفتوح شيد علي أحد جوانبه »سلم« للصعود الي أعلي وهذا السلم موجود في كل بيت.. وهو نفس الدرجات السلمية.. التي يزرعها السجيني ويهجنها في تماثيله لتبث في منحوتاته عبق الحضارة المصرية ومتانة بنيتها القوية الضاربة في تاريخ الأمم، هكذا عمقت هذه المرجعيات المتراكمة لأصالة القرية المصرية عند السجيني أحاسيسه الصادقة وإنتماءه الوطني الرائع، السجيني يضرب مثلا فذا للأجيال وقدوة جديرة لهم.. فحياة السجيني وفن السجيني وأفكاره ومبادئه ومصريته.. كلها علامات مضيئة للشباب.. ومسيرة محفزة لهم، ففن السجيني لا يمثل صورة للواقع بل كاشفا عن جوهره متمثلا في البشر والقرية والنيل وكاشفا عن مكنونات الحلم ومستقبل أكثر اشراقا.. مستقبل مليء بالحب وعمق الانتماء والتضحية والفداء من أجل مصر.. (وللحديث بقية).