محمد بركات كنا نتمني أن نودع أزماتنا ومشاكلنا مع وداعنا للعام الماضي ولكن ذلك لم يحدث للأسف، فها هي تنتقل معنا الي العام الجديد رغم انتهاء عام »2102« منذ عدة أيام، بأحداثه المريرة التي كان لها طعم العلقم عند الكثيرين منا نحن المصريين، الا إننا لا نستطيع التكهن أو التنبؤ بأن العام الجديد »3102« الذي بدأت ملامحه تظهر وتتشكل من خلال أيامه الأولي التي خضنا فيها ومعها منذ الثلاثاء قبل الماضي، سيكون مختلفا في وقعه علينا، أو سيكون أقل مرارة، أو أكثر رحمة وشفقة بنا عما سبقه. وبالتأكيد كنت ارجو أن يكون الأمر علي غير ذلك، وأن ندخل الي عتبات العام الجديد ونحن جميعا أكثر تفاؤلا مما نحن عليه الآن، وأن نستطيع القول بثقة أن هناك من الدلائل والمؤشرات ما يوحي بشيء مختلف، وأن هناك ارهاصات يمكن ان نستند اليها، ونتوقع علي أساسها إمكانية أن يكون هذا العام »3102« عام انفراج الأزمة، وزوال المعاناة، وانتهاء الأيام العجاف التي ألمت بنا في ظل مجموعة الأزمات التي احاطت بنا في العام المنصرم، وعلي رأسها الأزمة الاقتصادية وبجوارها أو معها علي نفس الخط أزمة الثقة المتصاعدة بين القوي السياسية والتي وصلت الي حد يهدد وحدة المجتمع وسلامة بنيانه،..، ولكن للأسف لا نستطيع التأكيد علي ذلك، في ظل ما نراه أمامنا من اختلاف حاد وخلاف مشتعل حول جميع القضايا الوطنية، والرؤي المستقبلية، وهو ما أدي الي شيوع حالة من الاحتقان علي الساحتين السياسية والاجتماعية، نرجو أن تخف حدتها وتنخفض درجة حرارتها، قبل أن تصيبنا جميعا بأخطار الفرقة والخلاف والإنقسام. نعم كنا نتمني أن نودع أزماتنا ومشاكلنا مع وداعنا للعام الماضي، ولكن ذلك لم يحدث للأسف، فها هوالعام المنصرم ينقل الي العام الجديد جميع الأزمات وكل المشاكل التي اصابتنا وعانينا منها خلاله،..، وها هي كل الملفات قد لحقت بنا وأبت ألا تتركنا بدونها. وأحسب أن هذه هي طبيعة الأمور، وطبائع السنين والأيام، فالزمن حبل متصل لا انقطاع فيه، مستمر دون انفصال، مترابط متشابك في سلسلة واحدة متعددة الحلقات، تضم في سرمديتها وسريانها احداثا ووقائع، وتطلعات وأمنيات واحلاما، تمثل لكل منا افرادا وجماعات وشعوبا الماضي، والحاضر، والمستقبل، وهي بالنسبة لنا جميعاً الأمس، واليوم، والغد. وفي هذا الإطار، دعوني أصارحكم القول، بأن علينا الا نتوقع عاما جديدا مختلفا في شكله أو مضمونه أو محتواه عن سابقه، فهذا نوع من الإغراق في الأماني صعبة المنال، كما انه نوع من الهروب بعيدا عن الواقع المعاش في عالم البشر علي الأرض. ولكن بالرغم من ذلك لابد أن ندرك أن هناك وسيلة مؤكدة ووحيدة لتغيير الواقع، بواقع أخر مختلف يتوافق مع ما نريده وما نأمله، رغم كل الصعوبات وجميع المعوقات، وهذه الوسيلة تقوم في اساسها علي إرادة التحدي لدي الشعوب والأفراد، والإصرار الجمعي لدي الجماهير علي تغيير هذا الواقع الذي يرفضونه،..، والطريقة لتحقيق ذلك يبدأ دائما بالإرادة، ثم العمل بكل الجدية والإخلاص سعيا لما نريد. ولا اديع سرا اذا ما قلت في إطار البوح والفضفضة التي هي سمة اليوميات، بأني قد وجدت صعوبة مساء الاثنين قبل الماضي، الذي كان هو آخر امسيات العام الماضي بأن اقول ما جرت العادة علي قوله في مثل هذه المناسبة التي تتكرر مع نهايات السنين وبدء سنة جديدة من عمر البشر، وهو، إننا نودع هذا العام بخيره وشره، بحلوه ومره، كي نسلمه الي ذمة التاريخ بكل أحداثه ووقائعه يحكم هو عليها، ويدخلها في الخانة التي يختارها وفقا للتصنيفات المتعارف عليها. ومصدر الصعوبة في هذا الشأن، هي أن الذاكرة لم تسعفني في استرجاع طعم ولو قليل من الحلاوة في أحداث هذا العام الذي كان في نزعه الأخير مساء الاثنين، حيث كانت ذبالة ضوئه الأخيرة علي وشك الزوال. وللحقيقة لقد وجدت أن المرارة هي الغالبة في كل وقائع هذا العام، كما كان الحزن والألم شديدا فيه علينا نحن المصريين سواء في مقدمته بأحداث استاد بورسعيد الدموية، أو في مؤخرته بأحداث قطار الصعيد المأساوية، أو ما جري حول الإتحادية، والدستورية، وغيرها،..، ثم كانت الخاتمة باشتعال الأزمة الاقتصادية ووصولها الي ما هي عليه من وقوف علي حافة الهاوية. وحتي لا تكون الصورة كلها معتمة عن العام الماضي أو المنصرم، فلابد أن أسارع بالقول، بأنه قد يكون لدي البعض منا علي المستوي الشخصي بعض لحظات السعادة طرأت عليه، أو اصابته، خلال »2102« حيث استطاع ان يختلسها من بين أنياب الكآبة العامة التي سيطرت علي الجميع وأحاطت بالكل في ظل الهم العام والخلاف والإختلاف والانقسام، الذي ساد العلاقة بين جميع القوي والتيارات السياسية في مصر المحروسة،..، ولكن يبقي أن هذه اللحظات من السعادة تظل شأننا شخصيا بالنسبة للبعض منا، ولا يمكن تعميمها أو القياس عليها، أو الأخذ بها كمقياس عام. ومن هنا، ورغم كراهيتي للنظر للأمور بمنظار معتم، أو الأخذ بأكثر الخيارات تشاؤما، إلا إنني اجد نفسي مجبرا أو مضطرا الي القول بأن عام »2102« الذي لملم أوراقه التي تناثرت عبر سنة كاملة وتجاوز بها زمننا الحاضر، ودخل بها في ذمة الماضي، وذاكرة التاريخ، لم يكن بكل الأحوال عاما سعيدا بالنسبة للمصريين،..، وهو ما لا يدع مجالا لأحد كي يحزن علي فراقه أو يأسي للإبتعاد عنه أو افتقاده. واستطيع ان اقول ايضا، انه كان عاما شديد الوطأة علي دول وشعوب كثيرة في منطقتنا العربية، وفي العالم بطوله وعرضه،..، وتكفي نظرة سريعة علي ما يجري في سوريا الشقيقة من قتل وتدمير وتخريب في ظل المذابح الجارية هناك، والدماء التي تسيل انهارا طوال العام الماضي وما قبله وحتي الآن، كي نشعر بأشد انواع الألم يعتصر قلوبنا، ويقض مضاجعنا. فإذا ما أضفنا الي ذلك قدر العنف والقتل والدمار الذي تعرضت له ليبيا قبل سقوط القذافي، وما يتهدد العراق الآن من تصاعد للنزاعات الطائفية، وما جري ويجري في اليمن، وغيرها، لوجدنا أنه كان عاما للآلم والعنف والإضطرابات في الكثير من مناطق عالمنا العربي بصفة خاصة. اما اذا أضفنا لمجمل الصورة ما جري من أعاصير مدمرة في أمريكا وغيرها، وما تفجر من أزمات اقتصادية حادة في اوروبا، واليونان بالذات، لوجدنا أن مرارة وقسوة عام »2102« لم تقتصر علي عالمنا العربي فقط، بل انتشرت في أرجاء عديدة من العالم كله ولكنها مرارة بطعم مختلف. وفي هذا الشأن لا يجب ان نسقط في خطأ التعميم، ولهذا لابد الانتباه الي أنه ليس معني ما قلته وما كتبته الآن هو الترجمة الصحيحة لرأي ووجهة نظر عموم الناس تجاه العام الماضي، أو هو التعبير عما يعتمل في نفوسهم تجاه العام الجديد الذي مازالت ملامحه غائمة وفي علم الغيب،..، ولكنه بالتأكيد هو الترجمة الصادقة لوجهة نظري وقد استشعرت فيها تقاربا، ولا أقول تطابقا، مع وجهات نظر ورأي العديد من المواطنين علي تنوع مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعدد انتماءاتهم العقائدية والفكرية. والمقصود هنا في تلاقي الرؤي أو تقاربها هو أن ذلك يكون تجاه القضايا العامة، وليست الخاصة، وذلك في إطار الاهتمام الجمعي للغالبية العظمي من المصريين الآن، إن لم يكن جميعهم، تجاه الشأن العام. أما في الأمور الشخصية، أو الخاصة فالأمر بالقطع مختلف من شخص الي آخر، ومن قضية الي أخري، حيث لكل انسان تكوينه الخاص، ونسيجه النفسي والاجتماعي القائم بذاته. وذلك التفرد وتلك الخصوصية تندرج علي، وتشمل كل ما هو شخصي وذاتي من الاحاسيس والانفعالات، وردود الأفعال تجاه المؤثرات المادية بصفة عامة والروحية والانسانية بصفة خاصة. وإذا ما اعتبرنا أن نهايات الأعوام وبدايات أخري تكون مناسبة علي المستوي العام، للمراجعة والحساب بالنسبة للبعض، والتأمل والتفكر بالنسبة للبعض الآخر، انطلاقا من اهتمام الحكماء منهم بالنظر الي ما كان كي يستخلصوا منه زادا لما هو قادم، يعينهم علي تفادي السلبيات والأخطاء والخسائر، ورغبة منهم في تعزيز المكاسب،..، فإنها بالقطع تختلف عن ذلك كثيرا علي المستوي الخاص أو الشخصي. وفي هذا الإطار، لا نبعد في كثير أو قليل عن الحقيقة إذا ما قلنا أن الأيام بالنسبة للناس، كل الناس، ليست متشابهة الوقع والمعني والتأثير والدلالة، بل دائما ما تكون مختلفة في ذلك من شخص الي آخر، وهذا الإختلاف، وذلك التنوع يعود في أساسه وجوهره الي قدرة الله عز وجل في خلقه، وحكمته النافذه، في أن يكون لكل انسان طبيعة متفردة بذاتها وخصائصها وطباعها، لا تتطابق مع اخري علي الاطلاق،..، وحتي لو تشابهت معها في بعض الصفات أو الطبائع، فهناك دائما وجه اختلاف ظاهر ومميز لمن يفحص ويدقق. ولكن دعونا نقول أن يوم الاثنين قبل الماضي كان يوما أكثر اختلافا عن بقية الأيام، في معناه وتأثيره بالنسبة للعديد من البشر من سكان الأرض التي نعيش عليها معهم، نتنفس نفس الهواء وتشرق علينا نفس الشمس ونبحر في ذات البحار رغم تعدد الاشكال والألوان واللغات الثقافات والعقائد، والأفكار،..، ومن هنا كان اختلاف الأماني والأحلام والتأثر والانفعال. من شخص الي آخر. وفي كل الأحوال، دعونا نتضرع بالدعاء لله عز وجل ان يحمل عامنا هذا الخير والسلام لمصر وشعبها، وأن يكون عاما لوحدة الصف ووحدة الهدف.