أحمد غراب تذكرت كم ظلم هذا الرجل من خصومه ومعارضيه الذين لم يعترفوا بفضله. أحد المشايخ قد باغتني بسؤال ونحن في انتظار اجتماع اللجنة الدينية بمجلس الشعب: أنت ناصري أم سادتي؟ قلت: أحب السادات ولا أكره عبد الناصر. قال: هل تعرف إن للسادات فضل عظيم في إنشاء نقابة لقراء ومحفظي القرآن الكريم التي نناقش مشكلاتها اليوم بالمجلس، قلت كيف؟ قال الشيخ أبو العينين شعيشع رحمه الله : في نهاية السبعينيات التقينا أنا والشيخ عبد الباسط عبد الصمد ومصطفي إسماعيل والمنشاوي والسادات وطلبنا منه المساعدة في إنشاء نقابة للقراء والمحفظين فاندهش لعدم وجود نقابة لنا وقال: اعتبروني عضواً مؤسسا معكم لأنني من حفظة القرآن الكريم، واتصل بالدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب حين ذاك وكلفه بإعانتنا في إعداد مشروع إنشاء النقابة ومواد قانونها وتحديد جلسة قريبة لمناقشته بحضورنا في الجلسة العامة للمجلس. ويستكمل الشيخ حكايته التي مر علي روايتها لي عامان بأن القدر لم يمهل الرئيس واستشهد بعد هذا اللقاء دون مناقشة المشروع ولم يتم إنشاء النقابة إلا في عام 4891م أي بعد وفاة السادات بثلاثة أعوام، لكننا مازلنا نعتبره من أهم الأعضاء المؤسسين لنقابتنا، ولو امتد عمره قليلاً لما وصلت النقابة لهذه المعاناة التي استدعت وجودنا اليوم لمناقشة همومها ومشكلاتها. لأنه امتلك مقومات الزعامة الحقيقية والفكر المتجدد والعبقرية الثائرة، لم يستوعب الكثيرون إنجازاته في مختلف المجالات إلا بعد أن استشهد بعشرات السنين. عودة للحياة!! اندهشت كثيراً عندما عين الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف مستشاراً له لشئون الفتوي رغم أن معالي الوزير هو العميد الأسبق لكلية الدعوة والثقافة الإسلامية، والنجم اللامع ببرامج الفتاوي في الفضائيات الدينية قبل توليه الوزارة، وانتظرت تكذيباً من الوزراء لخبر اختيار مستشار شئون الفتوي، لكن هذا لم يحدث!! نمر مرور الكرام علي حكاية المستشارين، وندخل في المهم، المقارئ المصرية الموجودة بمعظم مساجدنا الكبري تمر بأسوأ حالاتها عبر العصور بسبب دعم وزارة الاوقاف الهزيل لها، فهل يعقل أن تظل مكافأة قارئ السورة وشيخ المقرأة 54 جنيها فقط في الشهر؟! مصر عبر تاريخها في مقدمة الدول الإسلامية والعربية اهتماماً بمقارئ ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم، ففي عام 29ه وجدت أكبر مقرأة للشيخ عبد الرحمن بن هرمز بالاسكندرية في ولاية عبد العزيز بن مروان لمصر، بعدها اشتهرت مقرأة الإمام ورش صاحب أشهر قراءة للقرآن الكريم وهي قراءة ورش عن نافع، وكان مقرها بمسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، واستمرت المقارئ وانتشرت في مختلف المحافضات وزادت وزارة الأوقاف من فاعليتها ودورها في تجويد القرآن الكريم بزيادة الدعمين المادي والمعنوي في عهد الشيخ مصطفي عبد الرازق وزير الأوقاف الأسبق - رحمه الله. بعدها ضعف الدعم، وزاد الحصار الأمني والتضييق علي الأنشطة الدينية والدعوية بالمساجد، فقل عدد المقارئ وروادها، لذلك أتمني من الدكتور طلعت عفيفي أن يعيد لها الحياة والفاعلية مرة أخري. أطفال متمردون!! معظمنا يسعي لتنشئة أبنائه علي الأفضل، لكن عدداً غير قليل منا يقع في خطأ تربوي جسيم يدمر شخصية الأبناء بصورة لا شعورية، فبغض النظر عن طبيعة وملكات وميول الأطفال يصر الوالد - وأحيانا الوالدان معا - علي وضع أطفالهما في سياج نموذجي من نسيج خيالهما للصورة التي يجب أن يشبوا ويترعرعوا في إطارها حتي لو انعزلوا عن جيلهم وزمانهم. المهم أن يخرج الوالدان عقدهما وخيالهما المريض في أخطر وأبشع أشكال الديكتاتورية التربوية. إحكام قبضة الوالدين علي شخصية الطفل بصورة مرضية سادية يجعله عرضة للفشل والتمرد علي الأسرة والمجتمع الذي يتحمل بأكمله - من وجهة نظره - مسئولية كبت ميوله وقهره بقوالب تربوية حديدية لا يستطيع الخروج منها في البيت أو المدرسة، فليس أمامنا إلا أن نعيد حركة الزمن للوراء، وكي لا نكلفهم بما ليس في وسعهم.