من أكل لا يشبع ومن تمكن لا يقنع، ومن لم يتمكن لا يرجع، وماء طعام الجميع دماء شباب مصر وزهرتها، والعاطلون والمحرومون والجائعون يتلمظون جوعا ويتلوعون حاجة ويفغرون فاها ويشدهون نظرا وهم يتابعون من أكل ومن تمكن ومن لم يتمكن يتصارعون علي الوليمة التي ما انفكت قائمة عبر آلاف السنين يرتادها المحظوظون والمغامرون ومن يتقنون كيف »يتسلطنون«! هو المشهد المأساوي والعقدة الدرامية في صراع الكرسي الذي ظنه بعض المخدوعين قد حسم بالانتخابات ولم يدر هؤلاء ان الكرسي الوثير لن يستقر لمن اعتلاه، فالمخلوعون لن يهمدوا والاعداء التاريخيون لن يسلّموا والاعداء الجدد لن يعدموا الوسائل في عصر طفحت فيه الوسائل والمنافذ القادرة علي هز اعتي العروش، وليس اهونها الراقد فوق حقول ألغام طبيعية وصناعية تفنن صناعها في نصب فخاخها وترتيب وإخفاء مكامنها والتعامل معها عن بعد بلغة العصر »بالريموت كنترول« حيث يكمنون في انتظار عودة العالم الذي هم فيه يبدعون. لقد فقد الجميع الاحساس بمن قامت الثورة لاجله وهو المواطن المحتاج الذي لا يجد عملا سوي التسكع ولا طعاما سوي جود الكرام او اكوام القمامة ولا مأوي سوي عشش الصفيح او احواش المقابر او الشوارع. ينظر لما تطفح به افواه منتفخة ببطون متورمة وقلوب متحجرة ينتظر ما يفيض من طفح هؤلاء ليسد رمقه او رمق من يعوله، وهم يأكلون ويأكلون ويتفلون ما لا يستسيغون ويتناحرون ويتصارعون حول المباديء البراقة والشعارات الحراقة وهي منهم بريئة ولا نصيب لهم منها سوي الالفاظ ولا مرمي او هدف من ورائها سوي استدرار ثورة المكبوتين وامتصاص دماء القرابين التي يقدمونها علي مذبح الاهواء والمتاجرة بالدماء تحت مزاعم الثورة وهي منهم براء! النخبة القاتلة »اسلام« فتي دمنهور، شهيد صراعات هؤلاء واولئك، قتل ولا يدري لماذا قتل، يقف مع خاله في فريق واخوه في فريق آخر ينادي بعكس ما يدافع عنه فريق اخيه، والنتيجة انه و»جيكا« ضحية التحرير.. وضحايا مجزرة قصر الاتحادية فازوا جميعا بلقب الشهيد ودخلوا ضمن شهداء الثورة، وكم من جرائم ترتكب باسم الشهداء ولا يعرف احد علي من يضحك هؤلاء واولئك الذين يملأون الفضائيات والمطبوعات يرتدون افخم الثياب ويطلقون أسخن الكلمات وأبردها وتنتفخ جيوبهم وتتورم ارصدتهم بالعربي وبالغربي وبالخليجي والامريكاني، يجاهدون بالكلام ويطوفون العالم شرقا وغربا يقدمون انفسهم معبرا للداخل يستعدون الغرب ويستصرخونه للتدخل ويعودون لارض الوطن الترانزيت.. يتقدمون المسيرات ويحملون الشعارات وينالون الالقاب ويجندون اطفال الشوارع ويحشدون وقود الثورة اصحاب البراءة الثورية ويطفئون صدي فشلهم بدماء ضحاياهم، باحثين عن إحدي السوءتين: كرسي الحكم أو خراب مصر فالأوطان البديلة جاهزة بأكاليل الغار التي يستحقها أبطال الدمار. لقد تحول فقراء ومحرومو مصر الي يتامي علي موائد اللئام، وللاسف ما جعلهم هكذا سوي النخبة التي استوعبت المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما لفظ الشعب، وما هم بنخبة ففي اختلافهم دائما كشف لعوراتهم في الفكر والثقافة والادب، فهيا نثور علي النخبة ونردد: الشعب يريد اسقاط النخبة! اللهم خيب ظنوننا! علي بعد ساعات من أول دستور بعد الثورة يقف المصريون حياري أساري نسبة الأمية العالية ووقوع الغالبية في مرمي سهام المنادين بالرفض وسوق كل حجج الرفض بالحق وبالباطل أيضا لدرجة نشر نسخ مزورة لمسودة الدستور. وعلي الجانب الاخر يحاول مناصرو الدستور حشد أغلبية الموافقة عليه، ويلعبون علي نفس ما يلعب عليه منافسوهم، غير ان المناصرين يتخذون من سلاح الشريعة اغراء لايقاوم ولا يرفض لدي اهل مصر. دعواتي الي الله ان يخيب ظنوننا جميعا في بعضنا ويكتشف الجميع في النهاية اننا كنا ضحايا جهلنا وتغييبنا السياسي خلال العقود الماضية وضحايا من يظنون انهم وحدهم يملكون الحقيقة تبعا لايديولوجياتهم ومعتقداتهم واهوائهم ومصالحهم. الشيء الوحيد الذي يبث فينا اليقين هو وعد الله لهذا الوطن العظيم بالامن وانه حافظه من كيد الكائدين، اللهم نجنا منهم ومن أذنابهم اجمعين. ما بعد العاشرة عندما يصل اليوم الي »آخر النهار« يريد الانسان ان يعرف »مصر الجديدة« فعليه ان يمضي »09 دقيقة« في البحث عن »الحقيقة« ليفاجأ بمن يقول له »هنا القاهرة« ليرد آخر بل »هنا العاصمة« ويفاجأ بأنه قد وصل الي »العاشرة مساء« واصبح في حصار »دائرة الضوء« ويخطئ بعد ذلك ان يعتقد انه »ممكن« ان ينام »بهدوء«!