الحشود التي حاصرت مدينة الانتاج الاعلامي.. لتعطيل البث الفضائي.. واسكات اصوات الاعلاميين الذين ينقلون صور الاحداث علي الهواء مباشرة.. هي الصورة المعبرة عن الصراع بين عصرين.. عصر الشادوف.. وعصر الاقمار الصناعية.. بين ثقافة الشادوف.. وثقافة الكمبيوتر! وبدا مشهد الحشود.. التي اقامت الخيام حول مدينة الانتاج الاعلامي اشبه بحشود لا تمت لزماننا.. ووقف زعيم الحشد.. وقف الراوي كحكايات ابوزيد الهلالي والزير سالم والزناتي خليفة وسيف بن ذي يزن.. ينطق بمفردات من زمن مضي.. لم نتبينها لكثرة الجلبة والصياح.. وتشابك الهتافات بالهرج والمرج وتدور في مجملها حول الغاء البث الفضائي الوطني.. وفتح الابواب علي مصراعيها للمحطات الفضائية الاجنبية.. والبث الاجنبي.. علي نمط القضاء علي الصناعة الوطنية.. ونجوم الصناعة الوطنية.. لحساب استيراد كل احتياجاتنا من الخارج ابتداء من السيارة.. وحتي فانوس رمضان وسجاجيد. انت تري ثقافة الشادوف في القرارات السياحية المصيرية وفي الدعوة لحوار بلا جدول اعمال.. وكأنها دعوة لجلسة فوق مصطبة امام دوار العمدة. وتري ثقافة الشادوف في الاتهامات المتبادلة التي تصل لحد الخيانة العظمي وتراها في مرور هذه الاتهامات.. مرور الكرام والتزام السلطات المنوط بها حماية اننا القومي والوطني بالطناش.. وثقافة الشادوف! يضاف إلي هذا الواقع ان ثقافة الشادوف التي حاصرت مدينة الانتاج الاعلامي.. تجاهلت وجود العشرات من الفضائيات الدينية التي تملأ ادمغة الناس بالفتاوي الجامحة.. والبحث في تراثنا الفقهي عن كل غريب.. ومثير للجدل.. وهدم القيم النبيلة التي جاء بها الاسلام واستخدام الشتائم التي نهي عنها الاسلام في مخاطبة الخصوم.. وانكار الاستماع للغناء.. علما بأن النبي صلي الله عليه وسلم سمع نسوة يتغنين في وليمة عرس فلم ينكر ذلك عليهن.. ناهيكم عن ان الاسلام هو دين الاذان.. ونسمع في إحدي هذه القنوات من يدعو علي المصريين »اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا.. ولا تبقي منهم احدا«. هل هذا معقول؟ ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين؟ بالطبع.. لا.. والصراع الدائر حول مدينة الاعلام هذه الايام.. هو في جوهره صراع بين عصر الحياة في الخيام وبين عصر التكنولوجيا. بين ثقافة الشادوف.. وثقافة الاقمار الصناعية! الصلاة.. وادوية العلاج بالاعشاب.. وصباغة اللحي. شيء عجيب فعلا.. ان تسيطر عقلية الشادوف علي هذا الحشد الكبير من شبابنا.. الذين يتعاملون مع كل منجزات العصر.. من موبايلات وتليفزيونات وثلاجات وسيارات وانابيب بوتاجاز.. ولكنهم يعيشون بعقولهم وثقافتهم في عصر لايمت لعصرنا.. وفي زمن غير زماننا.. ويتشوق الاجانب في دول العالم للاستماع لاخبارهم وسلوكياتهم من باب تسلية الخاطر.. والمزاح. ومن الطبيعي.. ان يتابع العالم من حولنا.. انباء هذه الحشود.. وسقوط الضحايا.. ووقوع اشتباكات بالاسلحة البيضاء وان تقام خيام الاعتصام لتحاصر رموز الهيبة المصرية في كل مكان وان تنتشر سيارات الاسعاف لنقل المصابين في الحشود.. بدلا من المصابين في البيوت وحوادث الطرق.. في مشاهد تسئ الينا وإلي ديننا ومعتقداتنا.. وتكرس الصورة الذهنية السلبية حول الاسلام وإلي الرسول صلي الله عليه وسلم. نحن نسئ لانفسنا.. في الوقت الذي تسعي فيه وزارة الاوقاف لارسال دعاة.. لتصحيح صورة الاسلام في الخارج. والسخيف في الموضوع.. انه في الوقت الذي اصبحت فيه حرية الصحافة والاعلام المرئي والمسموع من الحريات الرئيسية للانسان المعاصر.. وفي الوقت الذي يتطلع فيه الانسان المعاصر لحماية حقه في الحصول علي المعلومات.. نجد حشود المواطنين في شبابنا تحاصر مدينة الانتاج الاعلامي.. وترفع الشعارات المعادية وتطالب الرئيس مرسي بتطهير القنوات الفضائية من نجومها الذين يتمتعون بالقبول العام.. وتتابعهم ملايين المشاهدين في كل البيوت.. وكدليل علي الثقة.. وحسن القبول.. وهي تهتف »ممنوع دخول الفلول«! والفلول في هذا السياق.. تعني رصيد الوطني من المع نجومه في الاعلام والفن والثقافة بصفة عامة.. بما يعني اصابة المجتمع كله ب»التصحر« والقضاء علي القمم العالية.. لتصبح اكوام القمامة.. هي قممنا التي يشار لها بالبنان. ويتصور اصحاب تعبير »الفلول« ان ازاحة هؤلاء النجوم سيتيح لهم فرص الانتشار. والابداع والتألق.. وفقا لثقافة الشادوف.. علما بأن الذين اخترعوا الشادوف هم الذين وضعوا الاساس لاختراع طواحين الهواء.. والذين اخترعوا الدراجة.. وضعوا الاساس لاختراع السيارة.. وان نجومية فاتن حمامة.. لم تحجب نجومية الهام شاهين.. وتألقها وان »تكيد العزال« ولا ان تحجب نجومية الفنانة القديرة عايدة كامل.. بطلة المسلسل الشهير »عائلةمرزوق افندي«! والامثلة لا تقع تحت حصر لنجوم اثروا حياتنا الثقافية والاعلامية والصحفية.. طوال الثلاثين سنة الاخيرة.. هي عمر النظام البائد.. وحرمان الشعب المصري من حقه الطبيعي في اختيار نجومه. اننا اذا تأملنا ثقافة الشادوف التي سيطرت علي الحشود الصارخة حول مدينة الانتاج الاعلامي.. نجد انها الثقافة السائدة في كل المجالات.. في المستشفيات والجامعات ومراكز البحوث وفي الصناعة.. والطاقة النووية.. والزراعة. والتعليم والتدريب.. والنقابات المهنية.. والقضاء الخ.. وهي ثقافة تدعو للتصحر.. واعادة الوطن العظيم الذي ننتمي اليه لازمنة رعي الابل حيث لم يكن المواطن فيها يعرف كيف يبري القلم.