أملي ان تدرك الحكومة حجم الكارثة التي نواجهها قبل ان تستيقظ يوما فلا تجد ارضا نزرعها ولا غذاء ننتجه منها الأربعاء والخميس: القلب يدمي، والنفس تفور ببركان من مشاعر الغضب والاستنكار لما جري ويجري من قتال وعنف متبادل بين الابناء والاخوة.. والألم يعتصر الجميع علي الدم المراق في ساحة الخلاف والاختلاف بين ابناء الوطن الواحد، في ظل الفتنه والمحنه التي ابتلينا بها نتيجة غيبة الوعي وغياب الحكمة وعمي البصر والبصيرة. هذا هو ما اشعر به، وما يشعر به كل المصريين تجاه ما جري ويجري في مصرنا الحبيبة من احداث ووقائع كلها مؤلمة، وكلها لا تبعث علي التفاؤل، في ظل حالة الاحتقان والعنف السائدة علي المشهد الوطني العام، ووسط التهاب المشاعر وارتفاع امواج الغضب، وعواصف الانفعال في نفوس الفرقاء المختلفين المتصارعين. وتدفعنا هذه الاحداث وتلك الوقائع المؤلمة والمؤسفة الي مشاركة كل المواطنين المحبين لوطنهم الامل في ان تستطيع مصر الخروج من ازمتها الحالية بأقل قدر من الخسائر، أو دون خسائر فادحة تضاف الي ما خسرناه بالفعل حتي الان. وأقول اقل قدر من الخسائر واضعا في الاعتبار ان الخسائر قد حدثت بالفعل، وقد وقعت بالتأكيد، ونالت الجميع شعبا وحكومة وقوي سياسية، وقبل ذلك كيان الدولة ذاته... وأفدح الخسائر بالطبع هو ما فقدناه من إخوة وابناء فاضت ارواحهم علي ايدي بعض الابناء الاخرين. ونحن هنا لا نفرق بين من فاضت ارواحهم أو من اصيب من ابنائنا واخواتنا من هذا الفصيل او ذاك ، فكل منهم ابن عزيز وغال من ابناء هذا الوطن، وما كنا نتمني علي الاطلاق ان يسقط احد منهم في ساحة الخلاف والفتنة والصراع مع المختلفين معهم في الرأي من اخوانهم. في حين ان الساحة الوحيدة التي يجب ان نضحي فيها جميعا بأرواحنا، هي ساحة الدفاع عن أرض وشرف وكرامة الوطن ضد اعدائه الساعين للمساس بأرضه وسيادته وحريته واستقلاله. نزيف الأرض بعيدا عن اللغظ السياسي الدائر في كل مكان علي أرض مصر، والخلافات المشتعلة بين القوي والتيارات السياسية حول جميع القضايا المطروحة علي الساحة، وحالة الاستقطاب الحادة التي قسمت هذه القوي وتلك التيارات الي فريقين أو قسطاطين، أحدهما للتيارات ذات التوجة الديني بجميع فصائلها وتنوعاتها، والاخري للتيارات المدنية والليبرالية بجميع صفوفها والوانها. وبعيدا ايضا عن حالة الرفض أو القبول لدي هؤلاء أو اولئك للاعلان الدستوري والقرارات الاخيرة التي اصدرها الرئيس محمد مرسي، وبعيدا كذلك عن التأييد الكاسح من جانب فريق الاسلام السياسي للدستور الجديد بكل بنوده وابوابه، وحالة الاستهجان والهجوم الضاري والشامل التي يشنها فريق الليبراليين لذات الدستور وطريقة اعداده.. بعيدا عن كل ذلك رغم اهميته الشديدة، وتأثيره البالغ علي مسيرتنا الوطنية في هذه المرحلة بالغة الدقة والحساسية، وانعكاساته المؤكده علي مستقبل حياتنا، وسعينا لتحقيق ما تنشده من اهداف وطموحات.. الا ان الضرورة تقتضي ان ننتبه الي خطورة ما يجري امام اعيننا من استنزاف وتدمير للمصدر الرئيسي للغذاء في مصر وما يمكن ان ينتج عن ذلك من اثار بالغة العمق علي جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وما اقصده هنا، هو ما جاء في التقرير الصادر مؤخرا عن وزارة الزراعة.، بخصوص فشل جميع الجهود المبذولة للسيطرة علي نزيف الاراضي الزراعية.، ووقف حالات التعدي بالبناء عليها، والذي يكشف عن وصول عدد حالات التعدي بالبناء علي الاراضي الخصبة بالدلتا ووادي النيل، منذ 52 يناير 1102 وحتي منتصف الشهر الماضي »نوفمبر« الي حوالي 036 الف حالة باجمالي مساحة حوالي 72 الف فدان فقدتها مصر. حيث تحولت الي غابات من الاسمنت والحجارة، بعد ان كانت أرضا منتجة للمحاصيل والخضروات وجميع انواع الغذاء والخطير في هذا التقرير هو ما أكده من عدم قدرة الحكومة المصرية علي مواجهة هذه الحرب المعلنة علي الاراضي الزراعية في جميع المحافظات وعدم قدرتها علي إزالة التعديات المستمرة في كل يوم وكل ساعة علي المصدر الرئيسي لغذاء المصريين. حيث يؤكد بأنها تعجز عن ازالة 39٪ من هذه التعديات، ولم تنجح الا في إزالة حوالي 7٪ فقط وهي ليست إزالة كاملة بل ازالة جزئية. وطبقا لما نشرته الصحف عن هذا التقرير، وخاصة صحيفتي الاخبار والاهرام فإن هناك خمس محافظات تمثل النسبة، الاعلي في العدوان علي الأراضي الزراعية، والقضاء علي مصادر غذائنا، وفي المقدمة منها تأتي محافظة البحيرة.. تليها المنوفية، ثم الشرقية، وبعدها الغربية ثم الدقهلية. وقد ذكرني هذا التقرير الصادر مؤخرا عن وزارة الزراعة، وما كشف عنه من معلومات جد خطيرة، ويجب التنبيه لها، والتوقف عندها بالتأمل والدراسة، بتقريراً أخر كان قد صدر في منتصف العام الماضي عن الاممالمتحدة بمناسبة الاحتفال العالمي »بيوم التصحر« الذي يوافق 71 يونيو من كل عام. وفي هذا التقرير كان من المحزن جدا بالنسبة لي، ولغيري من المهتمين بهذه القضية الهامة، ان تأتي مصر علي رأس الدول، وتحتل مركزا متقدما في التصحر طبقا لتقديرات الاممالمتحدة، وذلك امر جلل، بل وبالغ الخطورة بكل المقاييس، وكان يجب ان يتوقف عنده كل مواطن مصري طويلا ويشعر تجاهه ليس بالصدمة والحزن، فقط، بل بالغضب الشديد ايضا. وأقول لكم الحق، لقد كنت اتمني ان تحتل مصر المركز الأول في اي مقياس عالمي ايجابي، مثل زيادة الانتاج الزراعي. أو الصناعي مثلا، أو المركز الأول في جودة سلعة ما، أو تكون في مركز الصدارة في الاكتشافات العلمية مثلا، أو تحصل احدي الجامعات المصرية علي المركز الأول في الكفاءة والحداثة الدراسية بين جامعات العالم.. ولكن ان تحتل المركز الأول في التصحر فذلك امر مؤسف ومخز ايضا. أما ما يجعل الامر اكثر خطرا وأشد الما، فهو ما اكده الدكتور اسماعيل عبدالجليل، الخبير الدولي في مكافحة التصحر، بأن مصر لم تعد تفقد هذا الرقم فقط، بل زادت الكارثة بأن ارتفع الرقم الي خمسة افدانة تفقدها مصر كل ساعة، اي اننا نفقد ما يزيد علي 34 الف فدان في السنة. واذا كان الامر كذلك العام الماضي، طبقا للتقرير الصادر عن الاممالمتحدة، فمن الواضح ان المصيبة اكبر مما تصور، والخسارة افدح مما نتخيل. وانطلاقا من الاهمية البالغة لهذه القضية التي تتصل اتصالا وثيقا بالمنتج الغذائي لشعبنا، وما يمكن ان نتعرض له من نقص هائل في المصادر المحلية لهذا الغذاء اذا ما استمر الحال علي ما هو عليه وتعرضنا الي فقد متوسط عام ما بين ثلاثين وأربعين الفا03و04 الف فدان كل سنة.. وهو ما يعني احتمال ان نفقد ما يزيد علي ربع مليون فدان من اجود الاراضي الزراعية المنتجة للغذاء كل سبع سنوات. وهو ما يمكن ان يأكل ويضيع جميع الجهود المبذولة لزيادة الرقعة الزراعية، لمواجهة الحاجة المستمرة لزيادة الانتاج الزراعي للوفاء باحتياجات الزيادة المستمرة في تعداد السكان التي لا تتوقف سنويا. واذا ما نظرنا الي الحقيقة المؤكدة علي ارض الواقع، والتي تؤكد اننا نستورد نسبة كبيرة من المواد الغذائية من الخارج، نظرا لعجز الانتاج المحلي عما نستهلكه لادركنا خطورة استمرار كارثة البناء علي الاراضي الزراعية الخصبة في الدلتا وغيرها.. والتي نراها ونشاهدها كل يوم، كما يراها ويشاهدها جميع المسئولين بالمحليات والحكومة دون تحرك جاد. ودون فعل مؤثر علي أرض الواقع. وفي هذا، وسواء كنا نفقد حوالي اربعين الف فدان من اراضينا الخصبة كل عام..، كما أكد التقرير الصادر عن الاممالمتحدة العام الماضي، أو كنا نفقد اقل من ذلك بعدة الاف سنويا. كما يقول تقرير وزارة الزراعة الاخير، فيجب ان ندرك اننا أمام كارثة خطيرة بكل المقاييس، ولا يجب ان نتوقف امامها بالصدمة والحزن ثم الغضب والاستنكار فقط، بل يجب ان نتحرك وبجدية وقوة لوقف هذا الخطر. ولهذا فإننا نطالب الحكومة بالتحرك العاجل واتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواجهة الكارثة، ووقف النزيف المستمر لارض مصر الخصبة، ومنع تحويلها الي غابات من الاسمنت والطوب بالبناء عليها. واحسب ان اقل ما يجب ان تقوم به الحكومة هو ان تلتزم كل المحافظين وجميع مديريات الزراعة، وايضا اجهزه الامن بالتدخل الفوري والحازم لإزالة كل التعديات التي تمت علي الاراضي الزراعية خلال الشهور الماضية منذ الخامس والعشرين من يناير العام الماضي وحتي اليوم، والزام اصحابها بإعادة الارض الي ما كانت عليه كأرض زراعية منتجة. ولابد من توقيع عقوبة رادعة علي كل من يرتكب هذه الجريمة مستغلا واقع الحال منذ قيام الثورة وحتي الان وحالة الانفلات وغياب القانون السائدة في كل مكان. وأملي أن تدرك الحكومة الحالية حجم الكارثة، التي يمكن ان تتعرض لها البلاد اذا ما استمر الحال علي ما هو عليه الان، واستمرت جريمة ضياع الارض الزراعية الخصبة،، ساعة وراء اخري ويوما وراء يوم، وعاما وراء عام.. فقد نستيقظ من غفلتنا في لحظة فلا نجد ارضا نزرعها، ولا غذاء نتيجة منها. فهل يتحقق هذا الأمل؟!.