ساعتان وقرابة نصف احداهما كان الزمن الذي قطعته طائرة الشركة الوطنية مصر للطيران من مطار القاهرة الي مطار اخر شبيه له في التصميم فقط، لا الحالة، فمطار العاصمة السياحية لمقر دولة الباب العالي للخلافة العثمانية سابقاً تعج صالاته بالجموع بين السفر والوصول، المشهد يوحي بالاقبال علي دولة حديثة، نجحت درامتها التركية في ترويجها للعالم العربي علي الأخص مؤخراً. الطريق من مطار اسطنبول الي شارع عثمان بيه بمنطقة الداون تاون لا يجب أن يستغرق في أزمة مرورية مثل تلك التي تعصف بشوارع القاهرة في أقصي ذروتها أكثر من ساعة، قطعتها السيارة في الساعة ونصفها تقريبا.. أين هذا المشهد في دراما يومية لا تُظهر سوي الشوارع الواسعة السريعة في كلا الاتجاهين؟! ولأن للارتحال شروطاً مغايرة للاستقرار، فالملاحظات تختلف مع تباين الوجهة المقصودة، والبحث عن اجابات لتساؤلات مشروع أيضا، الصورة المصدرة في حلقات درامية طويلة مملة تخالف الواقع وتظلم دولة لاتزال ناشئة، فكيف لدولة رفض الاتحاد الأوروبي طلب انضمامها له مرارا، أن تبدو صورتها طوال الوقت علي الشاشات أبهي من أغني دوله في هذا الاتحاد؟! في أعرق ميادين عاصمة السياحة التركية وأقدمها "تكسيم" تجتمع كل المتناقضات، الالتزام بالابتزال والاحتجاب بالتعري، محال الحلوي التركية السائل عسلها والمكسرات الزائد ملحها، فبعد سماع دوي آخر أذان يرفع بنفس مواقيت الصلاة في مصر تقريبا بالمساجد المنتشرة باسطنبول، يفتح شارع الاستقلال المنبثق من الميدان العتيق أبوابه لزواره من السائحين والمقيمين علي حد سواء، الجميع جاء للاستكشاف وقضاء ليلته في هذا الملهي المفتوح، حانات الكحوليات في كل ركن بالشارع الواسع وحواريه الضيقة المتفرعة تُخرج صخبا تركيا، لاتينيا بكل اللغات، عربيا أحيانا.. أين هذه الصورة من الحلقات الدرامية؟! اذا أردت أن تري مصر بعدسات مفلترة كمثيلتها التركية، فعليك بالتصوير في شارع صلاح سالم ومنتجعات التجمع الخامس والقاهرةالجديدة والقطامية ومستشفي دار الفؤاد والمحكمة الدستورية العليا ومدينة شرم الشيخ الطريحة. سفارة ملكية مضيق البسفور الواصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة والذي يقسم اسطنبول الي قسمين أوروبي هو ملاذ الطبقة الوسطي وأسيوي ضفافه مستقر للطبقة الغنية، تسمية المضيق وكما تعتقد اليونانية القديمة تعني ممر البقرة، يبلغ طوله 30 كم، ويقطعه جسران علويان أولهما البوسفور ويطلق عليه أيضا جسر البوسفور الأول والثاني جسر السلطان محمد الفاتح والذي كان يعد سادس أطول جسر معلق في العالم عند بنائه في عام 1988، أما الان فترتيبه الرابع عشر. في رحلة بحرية علي صفحة المضيق استغرقت ساعة تقريبا واصل المرشد السياحي العربي الأصل لأب فلسطيني وأم تركية محمد عوينات سرد تفاصيل الصور المتلاحقة، زرقة المياه ساحرة وطبيعة الجو الباردة من غير صقيع أفلتت من ذاكرتي الكثير عنها، حتي عبر المركب المُستقل أمام أحد القصور الأثرية المهيبة الذي بدا وكأنه مقر لسلطان عظيم ذائع الصيت من العصور العثمانية القديمة يرفع علما رفرافا للدولة المصرية، قال لي عوينات إن هذا البناء الراقي ما هو الا قصر الخديو عباس حلمي المصري، الملقب بالخديو المصري، آخر خديو عثماني حكم مصر والسودان، القصر نموذج مصغر من قصر المنتزه، ويرجع السبب إلي أن المشيد واحد هو المهندس المعماري الإيطالي أنطونيو لاشياك، الذي اشتهرت أعماله الإبداعية في عدة قصور في مصر منها قصر الطاهرة، قال لي أيضا عوينات إن القيمة التقديرية لهذا القصر تبلغ مايقرب من 70 مليون يورو، وهو من أغلي قصور المضيق، هذه هي الدولة المصرية بعظمتها، التي لم تدرك بعد.