العشوائية ليست في مبانينا فقط.. موجودة في عقولنا.. في دمنا وتحت جلدنا.. دلالاتها وعلاماتها تشهد علي خيبة أملنا في البر والبحر والجو.. مبان قبيحة ومشوهة.. نيل وبحيرات كادت اسماكها وكائناتها البحرية تنقرض بفعل التلوث.. هواء بشحنات الملوثات يحترق، ودخانه الأسود يجعل الناس تختنق! نعود للمباني كمثال صارخ للعشوائيات، ودعونا نتوقف أمام تصريح لوزير المالية منذ أيام حمل البشري لكل العشوائيين.. فقد أشار الوزير إلي تخصيص 52٪ من حصيلة الضريبة العقارية لتطوير العشوائيات!.. يعني ناس تدفع ضرائب لعلاج ما أفسدته المحليات.. وطالما بند التطوير سيظل مستمرا، فالعشوائيات ستواصل تقدمها وانتشارها.. والمخالفون سيزحفون علي مساحات أخري من الأراضي الزراعية لضمها إلي دائرة العشوائية لتأخذ الحكومة من حصيلة الضريبة العقارية لتزويد المناطق العشوائية الجديدة بالمرافق والخدمات! كان يمكن ان يلقي تصريح وزير المالية التصفيق الحاد من القراء لو تم دعمه بتصريح آخر من زميله الوزير المختص يؤكد فيه علي تجفيف منابع العشوائيات، ويشير إلي عقوبات رادعة تري النور علي أرض الواقع للمخالفين لكن يبدو ان معالي الوزير اراد تأكيد ان الحكومة الحالية تسير علي درب حكومات الماضي القريب والبعيد.. فقبل ثورة 52 يناير كان المسئولون يتركون المباني العشوائية تعلو وتنتشر.. دورهم الرقابي لم يزد عن تحرير المحاضر وحفظها في الأدراج.. وعند المطالبة بالازالة يخرج علي الناس من يزعم ان في الازالة اهدارا للثروة العقارية.. وبالتالي فتح باب التصالح مع المخالفين.. ثم انشأوا ما يسمي بصندوق تطوير العشوائيات.. ولا ندري أين ذهبت الأموال التي خصصت له!.. والآن نجد ان الوضع لم يتغير.. مازال علي ما كان عليه.. انفاق الملايين علي التطوير، وفي نفس الوقت تتحدانا العشوائيات الجديدة علي أرض الواقع كل يوم! النظام السابق كان يضرب عصفورين بحجر واحد في مجال الفساد الشيطاني.. كان يتيح الفرصة لمسئولي المحليات بالتربح من رشاوي المخالفات.. وكان يوحي للمخالفين بانه يميزهم ويقدم لهم الخدمات بتركهم يشيدون المباني العشوائية.. ولم يخف علي احد هدفه من ذلك، فقد كانت أصوات العشوائيات في الانتخابات هي المقابل الذي يحصل عليه، ولا عزاء للحريصين علي الذوق المعماري!.. لكن بعد ثورة يناير يجب ان يختلف الوضع.. اللهم إلا إذا كانت اللعبة الجهنمية للأصوات الانتخابية قائمة.. أما إذا تم اتخاذ الانفلات الأمني كمبرر لترك المخالفين يتطاولون في البنيان فهذا عذر أقبح من الذنب. ملحوظة: سيذكر التاريخ أن المحتلين لم يحولوا مصر إلي عشوائيات قبيحة كما يفعل أهلها بها الآن!